Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
هذه حماقة بالتأكيد؛ إذ لم يكن هناك أي اعتبار للبيولوجية الأساسية للطاعون الدبلي، وقد ازداد الأمر سوءا بشدة بسبب المبالغ المالية الهائلة المتوفرة بلا حدود لأي شخص يعمل في أي شيء له صلة من بعيد بالإرهاب البيولوجي. وكنتيجة لذلك، تتولى العديد من الفرق الآن نمذجة آثار وقوع وباء للطاعون الدبلي الذي قد يطلقه إرهابي. في رأينا هذا إهدار تام للوقت والموارد. يجدر بعلماء هذه الأبحاث قراءة الفصل الحادي عشر، إلا أن لديهم رغبة راسخة ومالية في الحفاظ على الوهم الحالي. نرى أنه من الضروري أن يفهم كل فرد - وبالأخص أولئك الذين يوزعون مبالغ كبيرة من الأموال العامة بلا داع - الطبيعة الحقيقية للطاعونين الدبلي والنزفي والمشكلات الحقيقية للحرب الجرثومية. (7) الفيروسات الفتاكة
يجدر بنا أن نولي اهتماما أكثر لاحتمال أن يستخدم الإرهابيون الأمراض الفيروسية؛ فهي رخيصة وسهلة النقل ويقوم المصابون أنفسهم بكل العمل الذي يساعد على تكاثرها ونشرها؛ فالفيروس يتكاثر بداخل الضحية بمعدل مذهل، وسرعان ما يكون جاهزا للانتقال المستمر ليصيب كثيرين آخرين. ومع وجود السفر الجوي الحديث، ستكون النتيجة وباء عالميا.
لطالما اعتبر فيروس الجدري سلاحا بيولوجيا محتملا، ومن المعروف أن كميات مخزنة منه جاهزة للاستخدام، وفي نوفمبر 2002 حددت الولايات المتحدة الأمريكية أربع دول لديها عينات سرية غير معلن عنها من الفيروس: وهي العراق وكوريا الشمالية وروسيا وفرنسا. كل ما يحتاجه الإرهابي هو إرسال مصاب واحد ليتنقل باستمرار، وليكن على سبيل المثال في مترو أنفاق لندن؛ كي يبدأ وباء كبير. قدم برنامج تليفزيوني مدته 90 دقيقة في محطة البي بي سي هذا السيناريو التخيلي في فبراير 2002، الذي فيه وصل إجمالي العدد النهائي للوفيات إلى حوالي 60 مليون شخص. تعمل الحكومات في الخفاء للتنبؤ بعاقبة هجوم بفيروس الجدري ولتنظيم سبل المكافحة عن طريق اتخاذ تدابير الصحة العامة المناسبة.
لقد أمضينا العديد من السنوات في بحث أوبئة الجدري عبر التاريخ، مع أن موجة تفشي هذا المرض ستكون مرعبة، فإننا لا نظن أن ضربة إرهابية باستخدام الفيروس العادي سوف تسفر عن كارثة كاملة. إن سلالة الفيروس التي كانت في إنجلترا في القرنين السابع عشر والثامن عشر أودت بحياة 20٪ فقط من الأطفال المصابين.
بمجرد أن يتم التعرف على المرض في أعقاب هجمة إرهابية، يمكن تقليل انتقال العدوى بنسبة كبيرة عن طريق استخدام الأقنعة، والأهم من ذلك، أن اللقاح الوقائي متاح. إن هذا المرض الفيروسي المعدي معروف جيدا، ومع التخطيط المستقبلي المسبق، وتوافر تدابير صحية جيدة للتعامل مع الطوارئ، والتشخيص المبكر، والاستجابة السريعة والتطعيمات الجماعية، يمكن احتواء وباء الجدري الناتج عن ضربة إرهابية في مدينة كبيرة والسيطرة عليه في النهاية.
قررت حكومة الولايات المتحدة تصنيع وتخزين لقاح يكفي سكانها بالكامل: وهي مهمة عملاقة سوف تكلف مئات الملايين من الدولارات. بدأ الرئيس بوش التنفيذ في الثالث عشر من ديسمبر 2002، عندما أعلن أنه بحلول الخامس عشر من مارس 2003 سيكون نصف مليون فرد من المدنيين العاملين بمجال الصحة بالإضافة إلى نصف مليون جندي قد تلقوا تطعيمات ضد المرض. من حسن الحظ أن الأعراض الجانبية الحادة كانت نادرة، إلا أن هدف الولايات المتحدة المتمثل في تطعيم 10 مليون شخص بحلول يوليو 2003 يبدو بعيد المنال.
إلا أن ثمة تحفظا كبيرا؛ فقد حذرت الدكتورة فيفيان نيثنسون من الرابطة الطبية البريطانية من أن استعدادات المكافحة الميدانية يمكن أن تساعد في مكافحة الهجمات التي تتم باستخدام العوامل البيولوجية «المعروفة» فقط.
لا توجد استجابة طبية لمواجهة أسلحة بيولوجية مجهولة أو سلالات معدلة وراثيا لجراثيم خارقة لا يتوافر لقاح لها. المكافحة الحقيقية الوحيدة لاستخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية هو منع تصنيعها في المقام الأول.
الخلاصة: إن الكم الهائل من الوقت والمال المكرسين حاليا لمكافحة الأمراض المعدية الناجمة عن هجمة إرهابية ضروري ومحبذ. لكن ينبغي ألا ننسى أن هذا النشاط الرائع لم يثره سوى وفاة خمسة أشخاص بعد إرسال أبواغ الجمرة الخبيثة عبر البريد الأمريكي، وهناك إشارة واضحة إلى المبالغة في الاستجابة. لم يكن هناك قط - وبالطبع لا يكون هناك الآن مع كل هذه الاحتياطات المحبذة - أي إشارة إلى أن تأثير هجمة إرهابية بيولوجية أو حرب جرثومية باستخدام أي من الجراثيم المعروفة في العالم اليوم لن يكون سوى أكثر قليلا من نتفة مقارنة بتأثير عودة الموت الأسود. (8) نهاية العالم؟
لماذا إذن أدرجنا نشاط الإرهاب البيولوجي في هذا الفصل كطريقة يمكن أن يعود بها الموت الأسود أو أي شيء مشابه له؟ تكمن الإجابة في ثورة التكنولوجيا الحيوية. عندما أبلغ للمرة الأولى عن تفشي سارس في الشرق الأقصى، وضع الإرهاب البيولوجي في الحسبان كسبب محتمل، وجرى التعامل معه بجدية على جانبي المحيط الأطلنطي. ذكرت وزارة الصحة البريطانية: «بلا شك يبدو نمط الإصابة كمرض طبيعي لكننا بالطبع ننتظر حتى تظهر كافة الحقائق قبل أن نحكم. من السخافة أن نستبعد أي شيء في هذه المرحلة.»
Unknown page