Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
أمكن التغلب على الجدري بالتدريج، أولا عن طريق التطعيم بجرعة من الفيروس الحي نفسه ثم عن طريق التطعيم بنسخة مضعفة منه، ثم ظهرت طفرة أخرى مميتة من المرض في أوروبا عام 1869 أدت إلى معدل وفيات مريع بالرغم من الحصول على التطعيم. وأخيرا قضي على الجدري عن طريق برنامج تطعيم خاضع لرقابة مشددة على مستوى العالم. إلا أنه الآن، وبعد أن أصبح التطعيم غير إجباري، إذا انطلق الجدري - سواء بشكل غير متعمد أو بفعل إرهابيين - فإن نسبة ضئيلة فقط من السكان هي التي سيكون لديها مقاومة أو مناعة ناجحة ضده.
مرض الكوليرا هو عدوى قاتلة تصيب الجهاز الهضمي، وينتقل عن طريق شرب الماء الملوث، وهو يودي بحياة الكثير من الأشخاص في معسكرات اللاجئين اليوم، وكانت الخسائر في الأرواح جراء الإصابة به في القرن التاسع عشر مرعبة؛ إذ لقي 10٪ من سكان مدينة سانت لويس بالولايات المتحدة حتفهم بسببه في خلال ثلاثة أشهر عام 1849، ونصف مليون شخص في ولاية نيويورك عام 1832. والكوليرا مرض لا يشوبه الغموض؛ فهو لا ينتقل من شخص إلى آخر، ولا يظهر من العدم، ويتوقف الوباء بتوقف تناول الماء الملوث.
أصيب خمس سكان لندن عام 1665 بالسل النشط، واستمرت المعدلات في الارتفاع. لم تكن لندن مكانا صحيا بالمرة. جلب المهاجرون المرض إلى الولايات المتحدة، وقد أحكم قبضته على المدن الشمالية تزامنا مع اندلاع الحرب الأهلية. وقد تسبب المرض في معدل وفيات هائل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في القرن التاسع عشر، ولا يزال يفعل ذلك في البلدان الفقيرة. إن السل ليس مرضا شديد العدوى ولا يسبب أوبئة حقيقية، وقد قضي عليه تقريبا بتحسن التغذية وظروف المعيشة حتى قبل اختراع المضادات الحيوية، إلا أنه عاد إلى التزايد مرة أخرى.
على الرغم من خطورة بعض من هذه الأمراض، فإنها لا تعتبر طواعين، وهي تستمر في البقاء عادة بين السكان بنسب منخفضة، مع ظهور أوبئة عارضة، وهي موجودة منذ وقت طويل، وطرقها في العدوى مفهومة جيدا. لقد تعلمنا كيف نتعايش معها، وقد هزمناها في بعض الحالات عن طريق برامج التطعيم، إلا أن بعضها يمثل أسلحة محتملة للهجمات الإرهابية البيولوجية. (2) كيف نستطيع أن نميز الطواعين الفتاكة الناشئة؟
على العكس تماما، تتميز الطواعين الناشئة بالخصائص التالية: تتميز بقدرة عالية على الإماتة، قد تقترب غالبا من 100٪، ويبدو أنها تظهر من العدم - مع أنه بحلول النصف الثاني من القرن العشرين بات علماء الأوبئة قادرين على تحديد الأصول الحيوانية المحتملة - وتنتقل عدواها مباشرة من شخص إلى آخر، وهي عادة ما تكون فيروسية، وغالبا ما تتسبب في حالات تفش وبائية.
عادة ما تنسب طواعين القرن العشرين الناشئة إلى أصول حيوانية، وهنا يكمن مفتاح نجاحها. لما كانت هذه الطواعين تقتل عائلها البشري، فإنه يمكن اعتبارها طفيليات فاشلة من الوهلة الأولى؛ فأي وباء ينتهي حالما تموت جميع الضحايا وعندئذ تموت الطفيليات أيضا لا محالة، لكن في حالة الأمراض الناشئة، يستمر العامل المعدي، وفي الوقت نفسه يعيش في تناغم في عائله الحيواني ولا يؤثر عليه إلا بمقدار طفيف، وهذا مثال على الطفيل الناجح حقا؛ يرقد هذا المرض خاملا في مستودعه (هنا يكمن الخطر على الإنسان) ويكون قادرا في الغالب على الهجوم مرة أخرى إذا اتصل إنسان بمحض المصادفة اتصالا مباشرا بحيوان عائل للطفيل. (3) مرض التعرق الغريب
في خريف عام 1485 ظهر مرض غريب في إنجلترا، قيل إنه وصل إلى هناك عن طريق المرتزقة الذين كانوا عائدين لتوهم من فرنسا. استمر المرض طوال الخريف وأوائل الشتاء، وصار معروفا في أوروبا باسم «التعرق الإنجليزي» بسبب شدة قابلية الأفراد للإصابة به في إنجلترا.
عاود مرض التعرق الغامض الظهور أربع مرات أخرى - في عام 1508، وفي 1517، وفي 1528، وفي 1551 - واختفى بعدها من إنجلترا إلى الأبد. معظم الروايات الباقية عن موجات التفشي الوبائية هذه قاصرة على لندن، باستثناء الوباء الأخير، الذي بدأ في بلدة شروزبري بمقاطعة شروبشير، ثم انتقل إلى لندن حيث «أسفر عن معدل وفيات هائل.» إلا أنه بتحليل سجلات 680 أبرشية تبين أن هذا المرض كان في حقيقة الأمر مرضا ريفيا في الأساس، قادرا على الانتقال السريع جدا عبر الطرق الرئيسية، وكان يودي بحياة 30٪ من سكان البلدات التي كان يضربها.
على ما يبدو كان التعرق يصيب الأثرياء على وجه الخصوص؛ فقد أصيب به الكاردينال وولسي ثلاث مرات عام 1517، لكنه نجا. وسقط كثيرون في بلاط هنري الثامن مرضى بالتعرق؛ فانتاب الملك خوف قهري من المرض لدرجة أنه كان يغير مقر إقامته كل يومين في محاولة لتحاشي الاتصال بأولئك الذين أصيبوا في بلاطه.
كان هجوم مرض التعرق يبدأ دون سابق إنذار، وعادة ما كان ينتشر في الليل أو الصباح الباكر، وكان المصاب به يشعر ببرودة ورجفة يعقبها حمى التهابية حادة مع تصبب عرق غزير، وغالبا ما كان يصاحبه طفح جلدي، كما كان يعاني من آلام مفاجئة في الرأس وألم العضلات وصعوبة في التنفس. لم يكن يستمر أكثر من 24 ساعة، وإذا حالف الحظ الضحية، فإن العرق كان يقل ويحل محله التبول بغزارة، وتتماثل الضحية للشفاء التام خلال أسبوع أو اثنين. بخلاف هذا سرعان ما كان يعقب آلام الرأس الشديدة والتشنجات الدخول في غيبوبة ثم الوفاة. لقي كثير من الضحايا حتفهم بعد بضع ساعات من ظهور الأعراض، مع أن معظم الضحايا كانوا يبقون على قيد الحياة لمدة 24 ساعة. لم يكن مرض التعرق يصيب الرضع أو الأطفال الصغار أو الطاعنين في العمر، ولم يكن التعافي من المرض ليضمن اكتساب مناعة ضده.
Unknown page