Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
1196
ثم نقل هذا الإهداء إلى جدار محراب الكنيسة عند إعادة بنائها عام 1720، لكن على ما يبدو طمست معالمها أثناء الترميم؛ فقد حل محلها طبقة نحاسية، وقد تحققت سو من الأرقام إبان زياراتها إلى بنريث. وكانت سو تعرف من دراساتها السابقة تقديرا مؤكدا بأن بنريث لم يكن يقطنها سوى 1350 شخصا قبل بدء تفشي الطاعون مباشرة، وعليه فمن الواضح أن رقم 2260 حالة وفاة، المذكور في النقش على جدار الكنيسة، كان رقما غير دقيق بالمرة، فعدنا إلى السجلات وأحصينا 606 وثيقة دفن مضافا إليها حرف
، إلا أنه كانت هناك فجوة في سجلات الدفن بلغت 11 يوما عندما كان الوباء في ذروته، وقدرنا أن تعداد الوفيات النهائي بلغ نحو 640 حالة وفاة في الغالب. ومع أن هذا الرقم كان يمثل نحو 50٪ من تعداد سكان هذا المجتمع الصغير - كثافة مرعبة للموت بالنسبة لفترة مدتها 15 شهرا - فقد كان من الواضح أنه أقل كثيرا من الرقم المنقوش على جدار الكنيسة. إذن ما الخطب هنا؟ أثار هذا حيرتنا، وقررنا أن نمعن البحث أكثر في الموضوع.
كان واضحا من النقش الموجود على جدار الكنيسة أن هذا الوباء الغريب والمخيف لم يكن قاصرا على بنريث، وإنما كان منتشرا على نطاق أوسع في وادي آيدن. كشف بحث سجلات ومحفوظات أبرشيات المنطقة أن العدوى انتقلت من نقطة تمركزها الأساسية في بنريث إلى كارلايل التي تبعد 20 ميلا (32كم) شمالا، وكيندال التي تبعد 32 ميلا (51كم) جنوبا. الأمر المثير هو أن أولى حالات الوفاة في كلتا المدينتين وقعت في اليوم نفسه، بعد مرور 11 يوما على أول حالة وفاة في بنريث. ذهلنا من اكتشافاتنا واندهشنا لدى معرفة أن هذا المرض كان بمقدوره أن ينتقل لمسافة بعيدة وبسرعة كبيرة. بيد أننا لم نندهش لدى علمنا بتسجيل معدل وفيات مروع مرة أخرى في كل من كيندال وكارلايل.
إن اكتشاف هذا الوباء غير المعروف على نطاق واسع، الذي ضرب ثلاثا من البلدات التي كانت تعقد فيها سوق مركزية في شمال غرب إنجلترا في نهاية القرن السادس عشر، حملنا على التفكير. في التو اعتبر الكاهن وأبناء البلدة هذا الوباء نوعا من الطاعون أو الوباء اللعين؛ لقد كانت لديهم خبرة عن هذا المرض، من المفترض أنها خبرة شخصية مباشرة. لكن كان هناك عدد من السمات المحيرة في هذا الوباء: هل كانت نوبة تفشي بنريث عادية؟ هل كان هذا المرض هو نفس نوبات تفشي الطاعون الأخرى في أنحاء أوروبا؟ هل كان هو الموت الأسود؟ وعليه عقدنا العزم على تقصي الأمر. (4) الخيوط الأولى
كما سيخبرك أحد المخبرين السريين الأكفاء، يتطلب التعرف على قاتل ما فحصا شاملا لمسرح الجريمة، ومعرفة تفصيلية بكافة الأدلة. اليوم لدى علماء الأوبئة الذين يدرسون مرضا ظهر حديثا مجموعة من الأساليب العلمية الحديثة. في الواقع هم بمقدورهم أن يفحصوا مرضاهم ويسجلوا ملاحظات مباشرة. بيد أن مؤرخي علم الأوبئة مهمتهم أصعب بكثير؛ لأنه لا يكاد توجد معلومات بمقدورهم الاعتماد عليها للتشخيص. الأمر صعب لأنه مر زمن طويل على الأحداث؛ ومن ثم لا بد أن يستخدموا كل ما في جعبتهم من فطنة للتمييز بين الحقيقة والخيال.
وهكذا، تمثلت مهمتنا الأولى في تلخيص ما عرفناه حتى الآن عن هذا المرض الغامض في بنريث:
مرض فتاك؛ إذ لم نعثر على أية أدلة تشير إلى أي شخص أصيب بالعدوى وعاش.
مرض معد جدا؛ فقد انتشر المرض انتشار النار في الهشيم، وبالأخص في صيف عام 1598.
وصول العدوى إلى المجتمع حدث عن طريق مسافر غريب.
Unknown page