بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما أنعم، والشكر له على ما ألهم، والصلاة على باعث إيجاد العالم، محمد سيد العرب والعجم، وعلى المعصومين من أهل بيته سادات الأمم، صلى الله عليه وعليهم وسلم.

وبعد، يقول الأذل الأحقر، أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر، سامحهم الله يوم العرض الأكبر: هذا ما استطرفته من " عوائد الأيام " من مهمات أدلة الأحكام، وكليات مسائل الحلال والحرام وما يتعلق بهذا المرام.

جعلته تذكرة لنفسي، ولمن أراد أن يتذكر من إخواني، وما توفيقي إلا بالله.

Page 3

عائدة (١) في بيان قوله تعالى:

أوفوا بالعقود قال الله سبحانه: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/1" target="_blank" title="المائدة: 1">﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾</a> (1).

قد اشتهر عند الفقهاء الاستدلال بهذه الآية الكريمة، في تصحيح العقود، و لزومها. وبه يجعلون الأصل في كل عقد عرفي، وكل إيجاب وقبول، اللزوم.

واستشكل جماعة في دلالتها، فاللازم تحقيق مدلولها، حتى يعلم دلالتها، و عدمها.

ونذكر أولا: طائفة من كلام المفسرين، واللغويين في تفسير الآية، ومعنى العقد والعهد.

قال صاحب الكشاف في تفسيرها: يقال وفى بالعهد، وأوفى به، ومنه (والموفون بعهدهم) (2) والعقد: العهد الموثق، شبه بعقد الحبل ونحوه، ومنه قول الحطيئة:

Page 5

قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم * شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا (١) وهي: عقود الله التي عقدها على عباده، وألزمها إياهم، من مواجب التكليف. وقيل: هي ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات، ويتحالفون عليه، و يتماسحون من المبايعات ونحوها.

والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه، من تحليل حلاله، وتحريم حرامه، و أنه كلام قدم مجملا، ثم عقب بالتفصيل، وهو قوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/1" target="_blank" title="المائدة: 1">﴿أحلت لكم﴾</a> (2) (3).

انتهى.

أقول: الظاهر اتحاد ما جعله ظاهرا مع ما ذكره أولا، ويحتمل أن يكون مراده من الأول: ما اختص بالواجبات من التكاليف، وما أوجب عليهم فعله. وما جعله ظاهرا يكون أعم.

ومراده من عقود الأمانات: عهودها من الودايع المالية وغيرها من أسرارهم التي يأتمنون فيها بعضهم بعضا.

والتخصيص بما يتحالفون عليه، لحصول الشد والاستيثاق المأخوذين في معنى العقد.

والمراد بالتماسح، المصافقة، حيث كانت ذلك في المبايعات (4) لشدها و استيثاقها. فمراد القائل: العهود التي تكون للزوم عرفا.

وقال الشيخ أبو على الطبرسي في مجمع البيان: يقال: وفى بعهده وفاء، و أوفى إيفاء، بمعنى.

Page 6

ثم قال: والعقود: جمع عقد، بمعنى المعقود، وهو أوكد العهود. والفرق بين العهد والعقد: أن العقد فيه معنى الاستيثاق والشد، ولا يكون إلا بين متعاقدين، والعهد قد ينفرد به الواحد. إلى أن قال: (أوفوا بالعقود) أي بالعهود، عن ابن عباس، وجماعة من المفسرين. ثم اختلف في هذه العهود على أقوال:

أحدها: أن المراد بها: العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة، والمؤازرة، والمظاهرة، على من حاول ظلمهم، أو بغاهم سوءا. وذلك هو معنى الحلف، عن ابن عباس، ومجاهد، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك، والسدي.

وثانيها: أنها العهود التي أخذ الله سبحانه على عباده للإيمان به (١)، وطاعته فيما أحل لهم أو حرم عليهم، عن ابن عباس [أيضا. و] (٢) في رواية أخرى قال: هو ما أحل وحرم، وما فرض، وما حد في القرآن كله (أي: فلا تتعدوا فيه ولا تنكثوا) (٣).

ويؤيده قوله تعالى: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) إلى قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/13/13" target="_blank" title="الرعد 13">﴿سوء الدار﴾</a> (4).

وثالثها: أن المراد بها: العقود التي يتعاقدها الناس بينهم، ويعقدها المرء على نفسه، كعقد الأيمان، وعقد النكاح، وعقد العهد، وعقد البيع، وعقد الحلف، عن ابن زيد، وزيد ابن أسلم.

ورابعها: أن ذلك أمر من الله سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم بالعمل (5) بما في التورية والإنجيل في تصديق نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما جاء به من عند

Page 7

الله، عن ابن جريح، وأبي صالح.

وأقوى هذه الأقوال قول ابن عباس: أن المراد بها عقود الله، التي أوجبها على العباد في الحلال والحرام والفرائض والحدود.

ويدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر، فيجب الوفاء بجميع ذلك إلا ما كان عقدا في المعاونة على أمر قبيح، فإن ذلك محظور بلا خلاف (1). انتهى.

ومثله قال الطريحي في مجمع البحرين (2).

أقول: مراده من قول ابن عباس، الذي جعله أقوى، هو الذي نقله عنه منفردا، وهو القول الثاني. ووجه دخول الرابع فيه ظاهر.

وأما وجه دخول الأول: فلأنه العهد على النصرة على من حاول ظلمهم، و كانوا يحلفون عليه، كما يدل عليه قوله: وهو الحلف.

ولا شك أن النصرة على من ظلم وبغى سوء، مما أوجبه الله سبحانه، سيما مع الحلف عليه، فإنه أمر راجح شرعا، بل واجب، فيجب بالحلف.

ووجه دخول الثالث: أن المراد (3) ليس كل عقد يعقده المرء على نفسه و لو اختراعا، بل العقود المجوزة شرعا، المرخص فيها بلسان الشرع، مثل البيع والنذر، والنكاح، واليمين، كما يدل عليه تصريحه بدخوله في قول ابن عباس، فإنه صرح بأن قول ابن عباس هو عقود الله التي أوجبها على العباد، ولا شك أن ما يخترعه المرء ليس كذلك. ويشعر بذلك أيضا أمثلته التي ذكرها للثاني (4).

Page 8