241

فقد روي عنه أنه كتب إلى محمد بن سماعة القاضي: «أما بعد، فإني احتجت لبعض أموري إلى رجل جامع لخصال الخير، ذي عفة ونزاهة طعمة،

1

قد هذبته الأخلاق وأحكمته التجارب، ليس بظنين في رأيه، ولا بمطعون في حسبه، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلد مهما من الأمور أجزأ فيه، له سن مع أدب ولسان، تقعده الرزانة ويسكنه الحلم، قد فر عن ذكاء وفطنة، وعض على قارحة من الكمال، تكفيه اللحظة، وترشده السكتة، قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام في أمورهم فحمد فيها، له أناة الوزراء وصولة الأمراء، وتواضع العلماء وفهم الفقهاء وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة وأمارات العلم له شاهدة، مضطلعا بما استنهض مستقلا بما حمل، وقد آثرتك بطلبه وحبوتك بارتياده؛ ثقة بفضل اختيارك ومعرفة بحسن تأتيك».

ويقول ابن طباطبا: إن الحسن بن سهل كان أعظم الناس منزلة عند المأمون، وكان المأمون شديد المحبة لمفاوضته، فكان إذا حضر عنده طاوله في الحديث، وكلما أراد الانصراف منعه، فانقطع زمان الحسن بذلك وثقلت عليه الملازمة، فصار يتراخى عن الحضور بمجلس المأمون، ويستخلف أحد كتابه كأحمد بن أبي خالد وأحمد بن يوسف وغيرهما، ثم عرضت له سوداء كان أصلها جزعه على أخيه، فكانت سبب انقطاعه في داره واحتجابه عن الناس . وقد هجاه حين ذاك بعض الشعراء فقال:

تولت دولة الحسن بن سهل

ولم أبلل لهاتي من نداها

فلا تجزع على ما فات منها

وأبكى الله عيني من بكاها

وقد قرأنا في كتاب الأغاني ما يستدل منه على أن الحسن بن سهل هو صاحب الوساطة في العفو عن إبراهيم بن المهدي، وذلك يختلف مع ما رواه البعض من أن بوران ابنته هي التي طلبت العفو عنه، وما وراه البعض الآخر من أن طاهر بن الحسين هو صاحب الوساطة.

وتفصيل الرواية: أن الحسن بن سهل دخل على المأمون وهو يشرب فقال له: بحياتي وبحقي عليك يا أبا محمد إلا شربت معي قدحا، وصب له من نبيذه قدحا، فأخذه بيده وقال: من تحب أن يغنيك؟ فأومأ إلى إبراهيم بن المهدي، فقال له المأمون: غنه يا عم، فغناه:

Unknown page