لك من خطائك مني، فبأي أول أو آخر أو سطة أو إمرة إقدامك يا نصر على أمير المؤمنين تأخذ أمواله، وتتولى دونه ما ولاه الله، وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا أو وادعا أو ساكنا أو هادئا؟ فوعالم السر والجهر، لئن لم تكن للطاعة مراجعا، وبها خانعا لتستوبلن وخم العاقبة، ثم لأبدأن بك قبل كل عمل، فإن قرون الشيطان إذا لم تقطع كانت في الأرض فتنة وفسادا كبيرا، ولأطأن بمن معي من أنصار الدولة كواهل رعاع أصحابك، ومن تأشب
4
إليك من أداني البلدان وأقاصيها، وطغامها
5
وأوباشها، ومن انضوى إلى حوزتك من خراب
6
الناس، ومن لفظه بلده ونفته عشيرته لسوء موضعه فيهم، وقد أعذر من أنذر. والسلام.
ثم أخذ عبد الله يجد في محاربته وحصره حتى ضيق عليه واضطره إلى طلب الأمان، وقد احتفي بنصر وهو ذاهب إلى بغداد خاضعا للخليفة احتفاء عظيما، بيد أن جماعة ممن كانوا ناقمين على المأمون لم يرقهم أن ينتهي الخلاف بينه وبين ثائر قوي، فأرادوا أن يكدروا صفاء السرور فدبروا مؤامرة، وهي أن يقطعوا جسر الزوارق عند اقتراب نصر بموكبه الحافل، فقبض عليهم، ولأمر ما كان المأمون على غير عادته قاسيا في عقابهم، فقد جاء بزعيمهم ابن عائشة، فيما قال الرواة، وهو من بني العباس، ووضعه على باب داره في أشعة الشمس المحرقة ثلاثة أيام، ثم أمر بضربه بالسياط، ثم أمر بضرب عنقه مع كثير ممن كانوا معه.
نقول لأمر ما كان المأمون قاسيا في عقابهم لأن الرجل الذي يصل به عفوه وحلمه إلى أن يعفو عن إبراهيم بن المهدي والفضل بن الربيع وغيرهما من أصحاب الكبائر وممن كادوا له حقا، وسعوا في ضياع ملكه واستلاب عرشه، لا بد أن يكون الدافع له إلى القسوة في عقاب هؤلاء الأشخاص حاجة في نفسه عميت علينا، ونحن نعترف بأن المصادر التي بين أيدينا لم تفسر لنا تفسيرا مقنعا السر في هذا الاشتطاط وهذه المبالغة في العقوبة من المأمون الوديع الحليم.
على أن هذه الحادثة تحتاج إلى تحقيق دقيق، ولم تتح لنا المصادر الحاضرة القيام بتعرف وجه الحق فيها، ولا يستبعد البتة أن يكون المأمون منها براء. وليت أعضاء المجمع العلمي العربي وغيرهم من رجال العلم والتاريخ والأدب يعنون بتمحيص مثل هذه النقط المهمة في تاريخ أزهى عصورنا الإسلامية.
Unknown page