188

أبدت به الدنيا مناقبها

يقول الفخري: قالوا لما رأى الفضل بن سهل نجابة المأمون في صباه، ونظر في طالعه - وكان خبيرا بعلم النجوم - فدلته النجوم على أنه سيصير خليفة، لزم ناحيته وخدمه ودبر أموره حتى أفضت الخلافة إليه فاستوزره.

وسواء أكان مرجع اتصاله بالمأمون إلى خبرته بالنجوم أم إلى جودة حدسه، فقد اتصل بالمأمون وهو صبي، وكان الحامل له على أن يكون في خدمته تحقيق آمال كبار، رأى بكياسته وحذقه في نجابة المأمون خير كفيل بتحقيقها.

ولقد كان استعداد المأمون الفطري منذ نشأته أن يكون رجل جماعة وقائد أمة؛ إذ قد حبته الطبيعة فيما حبته من شتى المواهب موهبة الخطابة والتبريز فيها، فقد أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عمي عبد الله وأخي أحمد قالا: لما بلغ المأمون وصار في حد الرجال أمرنا الرشيد أن نعمل له خطبة يقوم بها يوم الجمعة، فعملنا له خطبته المشهورة، وكان جهير الصوت حسن اللهجة، فلما خطب بها رقت له قلوب الناس، وأبكى من سمعه، فقال أبو محمد اليزيدي يمدح المأمون:

لتهن أمير المؤمنين كرامة

عليه بها شكر الإله وجوب

بأن ولي العهد مأمون هاشم

بدا فضله إذ قام وهو خطيب

ولما رماه الناس من كل جانب

بأبصارهم والعود منه صليب

Unknown page