فقال الرجل: إني رجل مستقيم، لا أتعامل بالحيل! •••
عرف عزت الوحدة وهو منغمس في خضم الناس. حزن حزن القوي عندما يغلب على أمره ... أدرك أن جاهه زائف، وأنه يستمد نوره من أمه. إنه في الواقع حقير فقير عاجز. أعماه الغضب حتى فقد الرشد. تفجرت منه قوة حطمت رأس أمه، إنها قوة شريرة تتهادى في رداء ملاك، قتلها سبع مرات كل مرة بأداة خاصة. وماتت حتف أنفها مرات أخر. لو كان في قوة حمدون لغامر مغامرة فريدة مرحبا بالصعلكة، ولكنه أسير الحديقة والوسائد الناعمة وتلك القوة الغامضة المجهولة. ولشدة ارتباطه بالحياة فقد الحياة الباهرة. إنه وفي للأسر ليشدو أغاني العذاب، وستجلو بدرية عن مجال أمله بعد أن أرست فيه طابعا لا يبيد. وكتب عليه أن ينتظر أملا لا يعود، وأن يبحث عن كائن ليس له وجود. واللعنة على الكبرياء التي يلقنها غر في مهد عبودية. •••
وفي حومة النضال العقيم تلقى من حمدون رسالة، ألم يجتمع به أمس وكل يوم؟!
عزيزي عزت ...
عليك أن تفهمني باسم صداقة العمر. إنها صداقة حقيقية متينة ونقية. إياك أن تسيء بي الظن. لقد وطنت النفس على التضحية تحت شرط أن تفعل أنت شيئا. لكنك أعلنت عجزك وسلمت بالواقع. عند ذاك قررت أنه من حقي أن أعمل. إني مثلك في الحب، ولكني لا أتركها تذهب مع الكومي. سنهرب معا لنتزوج بعيدا عن الأهل والحارة. معي مال قليل من ثمن الأرض سأعتمد عليه حتى ألحق بالوظيفة. لن أتخلى عنها كما لن أتخلى عن المسرح، وستبقى صداقتك معي وذكرياتها الجميلة. لا تسئ بي الظن وتقبل تحياتي.
حمدون عجرمة
قرأها مرات قبل أن يسيطر على معانيها. وقتل حمدون مرات - أكثر من أمه - قبل أن يفهم موقفه. شد ما أخفى عنه حبه. حقا إنه لممثل ماكر، لم يغفر له رغم أنه لم يتهمه. ربما كان يسخر منه، ربما كان من الأفضل أن يأخذها الكومي. اعتاد أن تنفذ رغباته قبل أن يجهر بها، فماذا جرى من وراء ظهره ؟ غصت الدنيا بالمجرمين أمثال عين وحمدون وبدرية. أصبح القتل لا يجدي. أفظع من ذلك أن تغرورق العينان بالدموع، أن تغمق صفرة الحديقة وتموت العصافير، أن يمسي بلا حبيبة وبلا صديق وبلا أم.
وانتشرت حكاية الهرب في الحارة كالغبار في يوم عاصف. لفحته العاصفة باعتباره بطلها المهزوم. احترق والد بدرية وأمها وست رمانة خالة حمدون. اشتعلت خصومات. سجلت الشائعات للحادث حكاية فاضحة متكاملة. طلقت أم بدرية في أثر شجار عنيف. •••
وكان يجلس في الخميلة في أصيل قائظ عندما رأى ظل أمه يفرش الأرض أمامه بين الشوح والجدول. اقتربت وهي تقول: لم نتبادل كلمة منذ أيام، إنه الجحيم.
رأى وجها متهدلا وخامدا، وقد حلت نظرة خابية في مكان الألق البهيج. لم يعطف عليها وحول عينيه عنها. همست وهي تجلس: يجب أن تعرفني أكثر.
Unknown page