إن المذهب المادي القائل إن الناس نواتج للظروف والتربية، وأن تغير الناس بالتالي ناجم عن تغيير الظروف والتربية، يغفل أن الظروف لا تتغير إلا عن طريق الناس، وأن المربي ذاته ينبغي أن يربى، ومن هنا فإن هذا المذهب ينتهي بالضرورة إلى تقسيم المجتمع قسمين، يتعالى أحدهما على المجتمع (كما هي الحال لدى روبرت أوين مثلا).
ولا يمكن تصور اقتران تغير الظروف بالنشاط البشري، وفهمه فهما معقولا، إلا بوصفه سلوكا عمليا ثوريا.
رابعا:
يتخذ فويرباخ نقطة بدايته من واقعة خروج الذات عن حدودها في الدين (
religious self-alienation )، وازدواج العالم إلى عالم ديني خيالي وآخر حقيقي. ومهمته في مؤلفاته تنحصر في تفكيك العالم الديني وإرجاعه إلى أساسه الدنيوي. ولكنه يغفل أنه بعد أن يتم هذا العمل، تظل المهمة الرئيسية باقية؛ إذ إن كون الأساس الدنيوي يرفع ذاته فوق ذاته، ويستقر في السحب بوصفه عالما مستقلا، هو ظاهرة لا تفسر إلا على أساس الانشقاق الذاتي والتناقض الداخلي في هذا الأساس الدنيوي. وعلى ذلك فمن الواجب أولا فهم هذا الأساس الدنيوي في تناقضه، ثم إحداث انقلاب ثوري فيه عمليا بالقضاء على التناقض. مثال ذلك أنه عندما يتضح أن العائلة الأرضية هي سر العائلة المقدسة، فمن الواجب عندئذ نقد الأولى نظريا وإدخال تغيير أساسي فيها عمليا.
خامسا:
يؤدي عدم اكتفاء فويرباخ بالتفكير المجرد إلى التجائه إلى التأمل الحسي، ولكنه لا يدرك الحساسية من حيث هي نشاط عملي، وحسي بشري.
سادسا:
يرد فويرباخ الماهية الدينية إلى الماهية البشرية، غير أن الماهية البشرية ليست كيانا مجردا كامنا في كل فرد على حدة، وإنما هي في حقيقتها مجموع العلاقات الاجتماعية.
وعلى ذلك فإن فويرباخ، الذي لا يحاول نقد هذه الماهية الحقيقية اضطر إلى: (1)
Unknown page