ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
عرائس البيان في حقائق القرآن
Genres
قال الجنيد : قال : لن تنالوا محبة الله حتى نسخوا بأنفسكم في الله (1).
( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (94) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (95) إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96))
قوله تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ) الإشارة فيه أن أهل هذه القصة يجوز لهم أن يتركوا شيئا من المأكولات من جهة المجاهدة لا من جهة التحريم ، ثم حثهم الله تعالى بأعلامهم شأن أنبيائه صلوات الله عليهم في المجاهدات ؛ ليقتدوا بهم.
وأيضا فيه إشارة إلى ترك اللحوم على الدوام لما فيها ضراوة كضراوة الخمر من جهة المجاهدة لا من جهة التحريم.
وأيضا : حرم على نفسه نبي الله يعقوب عليه السلام أشهى طعام فالإخبار عنه تعليم الله تعالى أهل محبته ؛ ليتركوا ما أحب إليهم من الأطعمة الشهية ، وما تشتهي أنفسهم من زهرة الدنيا ولذتها.
وأيضا : فيه إشارة إلى أهل الدعوى الباطلة من السالوسين والناموسين ألا يحرموا ما أحل الله لهم من الطيبات ، ولا يحلوا ما حرم الله عليهم من المنكرات والخبيثات ، وهؤلاء أهل الإباحة الذين ظهروا في هذا الزمان استأصلهم الله في الدنيا والآخرة.
( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا ) ملة إبراهيم الشوق والعشق والمحبة والخلة والفتوة والمروءة والشجاعة والسخاوة والحلم والأمانة والديانة والكرامة وإكرام الضيف والصبر في البلاء والشكر في النعماء والهجرة ، والخروج عما سوى الله بالكلية والعبرة والتأوه والصدق والإخلاص والتوحيد والتجريد والتفريد والسماع والوجد والاتصاف بصفات الحق من حيث رسوم البشرية بهذه الخصال صار إماما للعارفين والعالمين
أمر الله تعالى أحب عباده متابعته وموافقته في جميع أحواله ، ومن زاغ عن طريقه ولو ذرة فتكون النفس له صنما قال الله تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه
Page 173