154

ومن طالع غير حقائق الإلوهية والأزلية ، فقد وقع في سراب الضلال ، ويتردد في أغلوطات الشياطين ، فإذا نزل ، نزل في فقر العناء ، وإذا سار ، سار في مغاليط النفس وغباء غبار البلاء.

وقال الواسطي : من تمسك بغير الوحدانية بل بغير الواحد ، فهو بعيد من عين الحقيقة.

( وله أسلم من في السماوات والأرض ) إذا أظهر نفسه عن كبريائه في مرآة الكون بنعت الجبروت انقاد له جميع الأنام قهرا وجبرا ؛ لأنه يقتضي ظهور سلطان الوحدانية ، ووقوع الهيبة والإجلال في وجوه الخلائق بالأفعال ( طوعا وكرها ) أسلم له العارفون ببذل الأرواح ( طوعا ) لما عاينوه بحسن جمال القدم وأسلم الجاهلون له ببذل النفوس ( وكرها ) لما رأوا من عظم قهره في إظهار سلطنته وقهاريته ، وأيضا سخر بعضهم بكشف جماله ، فأسلموا من مشقهم على مشاهدته طوعا ، وأعجز بعضهم برؤيتهم عظمته في لباس فعله وصنعه ، فأسلموا من هيبته عند انكشاف نور كبريائه عن الأفاق كرها ، فأكرم قوما بإسبال أنوار التجلي على أسرارهم ، حتى يكونوا في جريان قضائه وقدره بالطوع منقادين وأذل قوما بإرسال هيبة القهر على ظاهرهم فيكونون عند بروز سطوة جباريته بالكره مذللين.

وقال الحسين : أحدهم عن شهود مثواهم بخصائص الاطلاع عليهم ، فمن طالع الذات أسلم طوعا ، ومن طالع الهيبة أسلم كرها.

قوله : ( قل آمنا بالله ) أي : صدقنا بعد أن رأيناه بعيون الأسرار وحقائق الأنوار ، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «لم أعبد ربا لم أراه» (1)، وأيضا ( آمنا بالله ) أي : بتوفيقه آمنا بالله لا يجهدنا وسعينا.

( وما أنزل علينا ... ) الآية إن من شرط المحبة قبول ما جاء به رسل الحبيب من عند الحبيب ، ولا فرق عنده بين المبشرين والمنذرين ، إذا كان المحب صادقا في حبه.

وافهم إن من غلب عليه محبة الله تعالى عاين بأبصار سره عالم الملكوت ، ويري غيب الحق من الجنة والنار والملائكة والأنبياء والأولياء والعرش والكرسي واللوح والقلم وأنوار الحضرة ، فإذا انكشف هذه المغيبات له ؛ فكيف لا يؤمن بها بعد رؤيتها ، إذا أخبر الله أسرارها بلسان أنبيائه وأوليائه عليه ، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لحارثة ، قال : «يا حارثة ، لكل حق حقيقة ؛ فما حقيقة إيمانك؟» فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون ، وأهل النار في

Page 164