5 - قضية إسرائيل
6 - قضية الأيديولوجية والتنمية
العرب والنموذج الأمريكي
العرب والنموذج الأمريكي
تأليف
فؤاد زكريا
الفصل الأول
التغلغل الأمريكي في عقولنا
على عكس ما يقول الكثيرون، أعتقد أن العالم يشهد في السنوات الأخيرة مدا أمريكيا واسع النطاق. فهزيمة أمريكا في فيتنام قد تقادم عهدها، والضربة التي تلقتها أمريكا في أفغانستان ثم إيران ضربة موجعة بلا شك. ولكن في مقابل ذلك أحرزت أمريكا انتصارين على أعظم جانب من الخطورة: أحدهما في الصين، مفتاح الشرق الأقصى، حيث أصبحت السياسة الصينية - في الآونة الأخيرة - ذيلا للسياسة الأمريكية، بل أصبحت أشد منها تحمسا في محاربة جميع خصوم أمريكا، ووصلت إلى حد محاربة حركات التحرر الوطني أينما كانت، والآخر في مصر، مفتاح الشرق الأوسط، حيث تسير السياسة الرسمية في اتجاه التحالف الصريح مع أمريكا على جميع الجبهات، وحيث يتوقع الأمريكيون من المعاهدة المصرية الإسرائيلية أن تكون الخطوة الأولى في طريق السيطرة الشاملة على المنطقة، والقضاء على الحركات المعارضة لنفوذهم في المناطق الأخرى المحيطة بالشرق الأوسط.
وربما قيل إن الأحداث الأخيرة قد أفقدت أمريكا الصداقة التقليدية المطلقة التي كانت تحملها لها بعض الدول العربية المحافظة، وإن هذا يدخل في باب الخسارة بالنسبة إلى النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. ولكن ينبغي أن نتنبه إلى أن السبب الذي تعلنه هذه الدول صراحة لغضبها من أمريكا هو أنها لا تحمي أصدقاءها بحزم كاف، كما أثبتت الأحداث الإيرانية بوضوح. وأبسط تحليل لهذا السبب يدلنا على أن الغضب في هذه الحالة لا يرجع إلى نزعة تحررية لدى هذه الدول، بقدر ما يرجع إلى خيبة أملها في تساهل أمريكا أو سلبيتها. وبعبارة أخرى، فلو كانت أمريكا قد أظهرت مزيدا من الحزم في إيران (وكلنا نفهم ماذا يعنيه «الحزم» في هذه الحالة)، وتمكنت من حماية «أصدقائها» في ذلك البلد ، لما غضب منها أحد. وهكذا فإن الصداقة المفقودة لا تحسب، في الواقع، ضمن خسائر أمريكا، لأنها تعبر عن وجهة نظر أولئك الذين كانوا يتوقعون من أمريكا أن تكون أشد بطشا، وكانوا يتمنون أن تكون قبضتها أكثر إحكاما - أي كانوا يريدون من أمريكا أن تكون أكثر «تأمركا» بالمعنى التقليدي لهذا اللفظ.
Unknown page