الرابع:
إعطاء شرعية جديدة للكيان الصهيوني، لا تقوم على أساطير أرض الميعاد وشعب الله المختار المستمدة من قراءة خاصة للتوراة، بل على طبيعة الجغرافية السياسية في المنطقة بعد تجزئتها إلى دويلات طائفية سنية وشيعية، إسلامية وقبطية، أو عرقية، تركمانية وكردية، عربية وبربرية وزنجية؛ وبالتالي تكون إسرائيل دولة يهودية تجمع بين العرق والدين مثل باقي شعوب المنطقة.
والعجيب أن تعلن ذلك أمريكة نفسها، وهي التي تضرب بنفسها المثل في النظام الديمقراطي التعددي، بوتقة الانصهار التي يتساوى فيها الجميع. وهي دعاية أخرى نظرا لاضطهاد الأقليات «السوداء» و«السمراء»، وتصدي «الواسب»
WASP ، وهي اختصار للبرتستانت البيض الأنجلوساكسون. ولو أن فلسطين المقاومة أعلنت أنها ستكون دولة إسلامية لقامت الدنيا ولم تقعد، وتم اتهامها بالأصولية والعنف والإرهاب. وماذا عن نصارى الشام وهم عرب، هل ينضمون للدولة القومية العربية أم يكونون دولة نصرانية كما فعل غساسنة الشام قبل الإسلام؟ وماذا عن لبنان، هل يعلن نفسه دولة عربية أم مارونية أم سنية أم شيعية؟ وماذا عن الخليج، هل يعلن نفسه دولة سنية أم شيعية؟ وماذا عن اليمن، هل يعلن نفسه دولة زيدية أم دولة شافعية؟ وماذا عن السودان، هل يعلن نفسه دولة عربية أم زنجية، إسلامية أو مسيحية أو وثنية؟ وماذا عن دول المغرب العربي، هل تعلن عن نفسها دولة عربية أم دولة بربرية (أمازيغية)؟
كانت حجة أمريكة لغزو أفغانستان أنها دولة أصولية إرهابية يحكمها الطالبان وأسامة بن لادن. وإرهاب إسرائيل الدولة اليهودية لا يقل عن إرهاب أفغانستان الدولة الإسلامية. وتعادي أمريكة كل الحركات الإسلامية التي تعلن عن حقها في إنشاء دولة إسلامية. وتعادي أمريكة الحكم الإسلامي في إيران وتتهمه بالإرهاب، والحكم الإسلامي في السودان وتحاول فصل الجنوب وكردفان عنه، وتعارض وصول المحاكم الشرعية إلى الحكم في الصومال، وتساعد أثيوبية على غزوه، أو تأييد الحكم العسكري الديكتاتوري في باكستان، وهي ترفع شعار الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير أو الجديد خوفا من وصول المعارضة الإسلامية فيه إلى الحكم، بل إنها لا ترحب بوصول الإسلاميين المعتدلين أو الإسلام المستنير إلى الحكم في تركية والمغرب، ممثلا في حزبي العدالة والتنمية. وترفض دخول تركية الاتحاد الأوروبي لأنها ذات ثقافة مغايرة ودين مختلف، في حين تقبل انضمام الدولة اليهودية. وتعتبر الإسلام تهديدا لأمريكة والغرب، خاصة بعد أحداث سبتمبر في واشنطن ونيويورك.
لا فرق بين المحافظين الجدد والصهيونيين الجدد؛ فكل من الفريقين نزعتان أصوليتان يحكمون باسم الاختيار الإلهي، في حين أن حماس والجهاد منظمتان إرهابيتان.
والحقيقة أن «الدولة اليهودية» ستذهب مثل باقي الدول الثيوقراطية؛ لأنه لا توجد يهودية واحدة، بل عدة مذاهب يهودية، أرثوذكسية وليبرالية وإصلاحية، شرقية وغربية، عربية وغربية، سلفية وعقلانية. فأي يهودية ستقوم عليها الشرعية الجديدة للكيان الصهيوني؟ ستذهب كما ذهبت أساطير الميعاد وشعب الله المختار، وستنتهي الدولة العنصرية كما انتهى النظام العنصري في جنوب أفريقية
بأسهم بينهم شديد (الحشر: 14).
المراجع
الاتحاد، 14 أبريل 2007م؛ الدستور، 19 أبريل 2007م؛ العربي الناصري، 22 أبريل 2007م.
Unknown page