98

Caqli Wa Caqlak

عقلي وعقلك

Genres

تأمل حال سيدة اتضح لها أن فستانها لا يتفق مع الزي الجديد، أو حال أحدنا نحن الرجال، إذا كان قاعدا في الترام أو القطار، واتضح له بعد نظرات مؤسفة من القاعدين أن زر طربوشه يتدلى من الأمام، أو حال أحد شيوخنا حين يطل من النافذة في القطار وتطير عمامته، أو حال الصعيدي في قنا إذا قيل له: إن بنت خالته تحب فلانا، أو حالنا إذا علمنا مثلا أن الجزار الذي كنا نشتري منه اللحم كان يبيعنا لحم الحمار باعتبار أنه من الضأن، أو حالنا حين نسمع أحد البوذيين وهو يعظ ويقول: إن ليس هناك نعيم أو جحيم، أو تأمل دهشة المستر تشرشل زعيم حزب المحافظين في بريطانيا، بل ألمه وحنقه حين يقال له: إن الهنود بشر ولهم الحق في الاستقلال مثل الإنجليز.

فنحن هنا إزاء عادات اجتماعية قد شابهت الغرائز الطبيعية وصارت لها قوتها، بل أحيانا تزيد قوة العادة الاجتماعية على الغريزة الطبيعية، كما نرى مثلا في عجز كثيرين من الناس عن التبول في المباول العامة؛ لأنه غرس في نفوسهم منذ الطفولة أنهم حين يحتاجون إلى التبول يجب عليهم أن يعتزلوا وينفردوا، وأن يخجلوا من رؤية أحد لهم.

فالمجتمع الذي نعيش فيه يحوطنا بعادات نفسية وذهنية حتى ننتهي بأن نطلب الكرامة الشخصية باسترضائه والنزول على جميع عقائده وعاداته ونخشى المخالفة ونتجنبها، وصحيح أن هناك مخالفين ، ولكن هؤلاء ثائرون، وهم يعرفون أنهم قد خالفوا عادة أو عقيدة؛ لأنهم رسموا لأنفسهم صورة أعلى من الصورة التي رسمها لهم المجتمع، وهم بالطبع يقبلون الاضطهاد عن رضى لهذا السبب.

والمجتمع يرسم لنا صورة نحافظ عليها ونصونها من التغيير، وهذه الصورة هي أعظم الأسس للضمير الشخصي، فنحن لا نسرق أو نغتال أحدا ولا نزور ولا نزني، لا لأن القوانين تعاقبنا فقط إذا فعلنا هذه الأشياء؛ بل لأن لكل منا صورة اجتماعية عن نفسه قد ارتسمت في نفسه، فهو يرى نفسه محترما له كرامة إذا نزل على رأي المجتمع وعقائده، ومحتقرا إذا خالف.

فنحن نعيش في مصر في مجتمع اقتنائي يطالب كل فرد بأن يقتني شيئا؛ أي: يدخر مالا أو يشتري عقارا، بل وحتى يقتني زوجة؛ ولذلك نجد لتحقيق هذه الأهداف، مع أن كثيرا منها غير طبيعي؛ أي: غير بيولوجي، بل نستطيع أن نقول: إن بعض الناس يتزوجون لا لحاجة بيولوجية، بل لحاجة اجتماعية؛ لأنهم يرون أن العزوبة لا تهيئ لهم الكرامة الاجتماعية التي يهيئها لهم الزواج، وكثير من أطماعنا - إن لم نقل جميعا - اجتماعي وليس بيولوجيا، وأحيانا حين نخيب في تحقيقها نصاب بشذوذ أو حتى جنون، كما يحدث لرجل كان يملك ألف جنيه فقد نصفها في البورصة، أو لفتاة خاب رجاؤها في الزواج، أو لشاب لم يحصل على الوظيفة المتمناة، أو لشاب آخر رسب في الامتحان المدرسي أو الجامعي.

فهنا قيم ومقاييس اجتماعية صارت لها قوة الغرائز الطبيعية، وهي تحدث لنا إحساسا وتفكيرا واتجاها تعين جميعها سلوكنا ونتحمل المشاق، بل أحيانا الإفلاس كي نتمتع بها، كما يحدث مثلا عند أحد الآباء، يستدين ويسرف على زواج ابنته كي «يظهر» وينال إعجاب المجتمع، وقد يؤدي هذا «المظهر» إلى إفلاسه، ونحتاج إلى وجدان يقظ وعادات موضوعية في التفكير؛ كي نخالف هذه العقائد الاجتماعية، ونحن لا نسعد تماما بهذه المخالفة.

فحياتنا الاجتماعية السوية ضرورية لسعادتنا، ووصفها بالسوية هنا ليس له من المعنى أكثر من النزول على القيم والمقاييس والصور التي رسمها لنا المجتمع، أو بالأحرى: طبقة المجتمع التي ننتمي إليها.

وحياتنا الحرفية كذلك تكسبنا الكرامة الاجتماعية، والشاب الذي يخيب في الحصول على عمل منظم يكسب منه يحس هوانا عظيما لا يقل عما تحسه الفتاة التي تخيب في الحصول على زوج، وفي مجتمع اقتنائي كالذي نعيش فيه يجد الوارث الكرامة التي يجدها الموظف؛ بل أكثر. ولكن للحرفة ميزات سيكلوجية أخرى؛ لأنها تكسب النفس نظاما وأخلاقا، وهي تكون شخصية للمحترف المسئول، وكل هذه الفصائل لا يجدها الوارث إلا إذا كان يستغل عقاراته بنفسه، وهو عندئذ لا يكون وارثا فقط؛ بل يكون محترفا أيضا.

وخلاصة القول: إنه كي نعيش على وفاق مع أنفسنا وعلى وفاق مع المجتمع يجب أن نعنى: (1)

بحياتنا الجنسية التي يجب أن تكون سليمة من الشذوذات، كما يجب أن يكون هدفها الزواج، هذا الزواج الذي ننشد فيه الرفيقة الصديقة كي يصير الحب بين الزوجين متكافئا، ليس فيه استغلال أحدهما للآخر. (2)

Unknown page