144

Caqli Wa Caqlak

عقلي وعقلك

Genres

الجنون الذي يطفئ نور العقل!

كثر الحديث عن الملك طلال الذي قيل: إنه يعاني هذا المرض النفسي الوبيل الذي يسمى شيزوفرينيا.

وهذا المرض يعرفه الغربيون باسم «إسكيزوفرينيا». ولكننا في مصر وجدنا أن كلمة شيزوفرينيا أجرى على اللسان وأسهل.

وعلى جميع الآباء أن يدرسوا هذا المرض، وأن يعرفوا أعراضه الأولى التي يمكن أن تعالج، أما إذا جهلوا هذه الأعراض أو استهانوا بها، ثم تفاقم المرض فإن العلاج عندئذ يغدو شاقا، بل ربما مستحيلا، وعندئذ يجد الأبوان ابنهما وقد استحال إلى كتلة حيوانية، قد زالت عنها جميع الملامح الإنسانية، وانطفأ فيها نور العقل، فلا عقل ولا إحساس.

وأسوأ ما في الشيزوفرينيا أنها تصيب الشبان من الجنسين، من السابعة عشرة إلى نحو الثلاثين، وليس هذا التحديد مؤكدا، ولكنه تقريبي؛ ولذلك كان يسمى قبلا «جنون المراهقة»، ومعظم من يقعون فيه يكونون عادة من النحاف الطوال ذوي الوجوه الطويلة، وهم عادة لا يصلعون.

ويمكن أن تتلخص الأسباب لهذا المرض بهذه الجملة: «أنا لا أطيق العيش.»

اعتبر أيها القارئ، أيها الأب، أيتها الأم، شابا في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة قد أرهقته الدروس، وقد حرمه أبواه ضروب التسلية، مثل قراءة القصص أو ارتياد الدور السينمائية، أو هو الكظم الجنسي أو القلق الذي لا يبرحه لخوفه من الفشل في الامتحانات، أو تعيير أبويه له بأنه متخلف.

اعتبر كل هذه الأشياء تقع لأحد الشبان، كلها أو بعضها، بحيث يجد أن الدنيا كئيبة لا تطاق، وأنه يعيش فيها كما لو كان محبوسا قد حظر عليه هذا وذاك من ألوان التفريج، فهو يعتزلها - أي يعتزل الدنيا - ويحب الخلوة وقد يسري عن نفسه في هذه الخلوة بعض هذا الكرب النفسي بوسائل تزيد في فساد جسمه وذهنه من سيئ إلى أسوأ.

أو هو يسري عن نفسه بعض هذا الكرب، هذا الضيق، هذا الإرهاق، بالهروب بذهنه من هذه الدنيا الشاقة، بأن يتخيل الخيالات التي تعوضه من الواقع المؤلم أحلاما لذيذة، ثم يمعن في هذه الخيالات، حتى ليكاد ينسى الواقع، ثم يمعن أكثر فأكثر، حتى يختلط عليه الخيال بالواقع فلا يميز بينهما، بل هو ينسى الواقع الكريه ويذكر الخيال اللذيذ.

وكل هذا يمكن الشاب أن يتحمله، ويمكن أن يشفى منه، ولكن يحدث حادث قد يكون صغيرا في نفسه، ولكنه يعد كبيرا خطيرا في منطقة المزعزع، فيكون بمثابة الثقاب الذي يلتهب ويشعل المبنى العظيم ويحرقه ويحطمه.

Unknown page