أو انظر إلى التكمل؛ إذ من منا لا يحب أن يؤدي عمله كاملا؟ ولكن المريض يرفض عملا ما؛ لأنه يخشى ألا يكون كاملا، فيعود عقيما، وهذا العقم يصغره عند نفسه فيحس الهوان والاحتقار.
أو انظر إلى الطهارة؛ فإننا جميعا نحب النظافة، بل أحيانا نغسل أيدينا إذا سلمنا على أحد نشتبه في نظافته، ولكن المريض يجد رغبة قهرية في أن يغسل يده نحو عشرين أو ثلاثين مرة في اليوم بل في الساعة.
وكذلك الشأن في القلق والهم والتشاؤم؛ فإن السليم يحس كل هذه الأشياء من وقت لآخر، وهو يتغلب عليها بوجدانه، إما لأنه يحلها، أو لأنه يهملها إذا لم يجد لها حلا، ولكن المريض يجد أنها تلازمه ملازمة قهرية لا يستطيع التخلص منها، وهذه الصفة القهرية تحيله إلى شخص عقيم لا ينفع نفسه ولا غيره ولا يؤدي عملا مفيدا.
وهذا هو النيوروز؛ أي: احتداد العواطف السيئة وملازمتها بصفة قهرية. وعندنا أن أصلها يرجع إلى الرغبة في الطمأنينة؛ أي إن الخوف، وهو العاطفة الأصلية في الطفل، قد اتخذ صورة أخرى اجتماعية فصار عاطفة محتقنة لا تبرح المريض، وهي تتخذ صورة التشاؤم أو الهم أو الشك أو الطهارة، إلخ.
والشخص النيوروزي هو صورة كاريكاتورية للشخص السليم، انظر إليه وهو يغسل يديه للمرة العشرين لأن أحد الناس قد صافحه؛ فإن يديه قد تهرأتا بالصابون، ومع ذلك لا يزال يحتاج في زعمه إلى التنظف والتطهر، أو انظر إليه وهو يقص عليك أن فلانا قد أهانه في 1925 وأنه قال له كيت فرد عليه بكيت، وأن الحق عليه، وأنه قد عمل كل ما يجب على الرجل المستقيم الشريف، وأن وأن، مع أن هذا الحادث قد مضى عليه أكثر من عشرين سنة، وأن هذا الشخص الذي يتحدث عنه قد مات، فكل ما نستطيع أن نقوله هنا: إن عاطفة الغضب قد احتقنت عنده وصارت ملازمتها قهرية.
ولكن ما الغاية من هذا الاحتقان وهذه الملازمة؟ لماذا لا يترك هذه الحادثة ويلتفت إلى عمله ويجد كي يقيت أطفاله؟
ليس بعيدا - كما يقول أدلر - أنه يعمد بهذه الذكريات العقيمة إلى أن يجد سببا، يقنع به نفسه ويظن أنه يقنع به غيره، كي يبرر تعطله؛ أي: هربه من العمل والارتزاق، فالنيوروزي الذي يشكو الهم أو التشاؤم أو الذكرى العقيمة يبغي - من حيث لا يدري - أن يجد الراحة الزائفة في التعطل بأن يقيم من هذه الأشياء عائقا عن العمل، فهو يفر ويلجأ كما يفر السكير إلى الخمر، أو كما يفر أحدنا من وقت لآخر إلى أحلام اليقظة.
فإذا شاء أحدنا أن يحلل نفسه فعليه أن يجيب على هذه الأسئلة: (1)
ما هي الغاية التي أقصد منها إلى الخمر؟
هل هي أن أهرب من همومي؟ ولماذا، بدلا من ذلك، لا أحل هذه الهموم بوجداني؟ (2)
Unknown page