وسنرى الفائدة العملية لهذه التعريفات والتدقيقات عند الكلام على وحدانية الله ومساوقة الخلق للخالق في الوجود في كتاب آخر بإذن الله. (3) الحق
الصفة الثانية من صفات الموجود هي الحق. «والحق هنا اسم فاعل في صيغة المصدر، كالعدل (في قولنا إنسان عدل)، والمراد به ذو الحقيقة. وهو بمعنى المصدر يدل بالاشتراك على معان»
14
ترجع إلى اثنين، أحدهما ما به الموجود هو هو. فكل موجود حق بحسب حصوله على ماهيته، كما نقول: «هذا ذهب حق»، حين يكون الشيء حاصلا على خصائص الذهب، والمعنى الآخر هو المطابقة بين المعرفة والشيء المعروف. قال الفارابي: «حقيقة الشيء هو الوجود الذي يخصه، وأيضا فإن الحق قد يقال على المعقول الذي صادف به العقل الموجود حتى يطابقه. وذلك الموجود من جهة ما هو معقول يقال له إنه حق، ومن جهة ذاته من غير أن يضاف إلى ما يعقله يقال إنه موجود.»
15
وقال ابن سينا: «حقيقة كل شيء خصوصية وجوده الذي يثبت له. وقد يقال أيضا حق لما يكون الاعتقاد بوجوده صادقا.»
16
وقياسا على هذا التعريف للحق في الموجود وفي المعرفة يعرف الباطل بأنه ما من شأنه أن يظهر على غير حاله بسبب مشابهته لشيء آخر في الأعراض الخارجية، فيؤخذ على أنه ذلك الشيء الآخر،
17
كما يؤخذ القصدير على أنه فضة أو تؤخذ المرارة على أنها عسل، ولكن القصدير في ذاته قصدير حق، والمرارة في ذاتها مرارة حقة: فالموجود يقال له باطل أو كاذب لا من حيث ما هو هو، بل من حيث ما ليس هو وما يظن أنه هو. وعلى ذلك فليس في الوجود باطل، بل الباطل في معرفتنا فقط، أما الحق فهو في الوجود وفي المعرفة كما تقدم.
Unknown page