كما سنرى. ويتلخص هذا بقول ابن رشد: «إن الواحد مرادف لاسم الوجود (ولذات الموجود وماهيته)، وإنما يختلفان في الجهة فقط: وذلك أنه متى أخذت الماهية من جهة ما هي غير منقسمة كانت واحدة، وإذا أخذت من جهة ما هي ماهية فقط، سميت ذاتا وموجودا!»
6
وبذلك يتضح أن الوحدة إما جوهرية أو عرضية: الوحدة الجوهرية هي ذات الموجود وعدم انقسامها من جهة ما هي ماهية معينة، وهي تلائم الموجود البسيط أولا وبالذات؛ فإن البسيط غير منقسم ولا قابل للقسمة كما أسلفنا، وتلائم المركب الطبيعي المتقوم بأجزائه الخاصة به بالطبع؛ مثل الإنسان مع تركيبه من قوى وأعضاء مختلفة، فإنه غير منقسم من جهة كونه إنسانا، فهو من هذه الجهة واحد بالذات. والوحدة العرضية هي ارتباط كثرة من الجواهر المتمايزة فيما بينها وعدم انقسامها من جهة هذا الارتباط: فههنا كثرة بالفعل، ووحدة بالتركيب، مثل السفينة أو أي مركب صناعي؛ فهذا المركب ليس له وجود واحد، وإنما الوجود الواحد لكل جزء من أجزائه.
ومن هذا يظهر أيضا «أن الوحدة قابلة للأشد والأضعف»، وأن الواحد من ثمة مقول على ما تحت بالتشكك. فالذي لا ينقسم بوجه أصلا أولى بالواحدية مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي ينقسم انقساما عقليا أولى مما ينقسم بالحس، والذي ينقسم بالحس انقساما بالقوة أولى بالواحدية مما ينقسم بالفعل وله وحدة جامعة، وهو أولى بالواحدية مما ينقسم بالفعل وليس له وحدة جامعة، بل وحدته بسبب الانتساب إلى المبدأ (كما في التشكيك بطريق النسبة).
7
وإنما تتفاوت الوحدة على هذا النحو لتفاوت الوجود بين الموجودات كما سبق القول، ولتغير الكثرات التي نردها إلى الوحدة: فكثرة الأجزاء واحدة بالكل المؤلف منها، وكثرة الأعراض واحدة بالجوهر الحالة فيه، وكثرة الأفراد واحدة بالنوع المشترك بينها، وكثرة الأنواع واحدة بالجنس الذي يعمها، وكثرة المعلومات واحدة بالعلة الصادرة عنها. فكل كثرة إذن ترجع إلى وحدة من نوعها، وهذا يستتبع قضيتين هامتين: إحداهما أن «كل كثرة إنما تقدر بواحد من نوعها»،
8
فينشأ العدد الذي هو الكثرة المتقدمة بواحدة. والقضية الأخرى أن هناك كثرات لا تقدر لعدم اشتراكها في وحدة ما.
وتتبين القضية الأولى بملاحظة أن أجزاء الكثرة لكي تتقدر بواحد منها يجب أن تكون متجانسة نوعا من التجانس، من حيث إن التقدير يتم بتكرار وحدة بعينها؛ وهذا هو السبب الفلسفي في رد الكسور إلى توحيد المقامات. فالعدد يحدث في العقل بتكرار الوحدة، ولا تتكرر الوحدة تمام التكرار إلا في أجزاء الجسم المتصل المتجانس الماهية والمنقسم إلى وحدات من نفس الماهية، كما إذا اتخذنا من المتر وحدة مقياسية وطبقناه على قطعة من الخشب أو من القماش فوجدنا أن هذه القطعة تساوي سبعة أمتار طولا وثلاثة عرضا. فالمتجانس أو «المتصل ليس ينقسم إلى أجزاء محدودة العدد بالطبع»،
9
Unknown page