Law of Probability . وكلما اتسع نطاق الكشف العلمي ازداد إيماننا بصيرة بمعاني الألوهية السامية، وبقوانين الحياة، ونظام الوجود. كما أن الإشراق الصوفي و«لذة الأنس بالله» ليس خلفهما سوى التأمل الكوني العميق، وإرهاف الأعصاب، وتقوية الحدس. ولا يمكن إدراك الله سبحانه وتعالى إلا بالحس الصوفي الذي يسنده العلم الفلسفي، لا بالعلم ولا بالفلسفة وحدهما. وقد يساعد كل أولئك على قراءة الأفكار، وتقدير العواقب، لا على مجرد التنبؤ بالمستقبل والكشف والإلهام مهما كان التوغل في التأله.
كثيرا ما ذكرت في أحاديثي الدينية أن الإسلام يعتمد أساسيا على التقوى والعلم، وإذا كان إخواننا اليهود - بالرغم من روحهم المحافظة - لم يترددوا في تفسير التوراة تفسيرا علميا، فما أحرانا نحن بذلك! وهذا كتابنا يوحي بالتفكير والتأمل في كثير من آياته.
وهذا القرآن الشريف في جميع أجزائه يتمشى مع العلم الصحيح لمن أراد أن يفهمه على هذا الوجه من ذوي الألباب، وإن فهمه العامة غالبا فهما آخر بالنسبة لرموزه الدقيقة، وذلك على قدر عقولهم. بل كذلك الكتاب المقدس قابل للتفسير العلمي الشامل، وقد وفق إلى ذلك علماء الغرب اللاهوتيون توفيقا عظيما، فغير معقول أن يكون القرآن الشريف دونه صلاحية لهذا التفسير الذي يجب أن يشمل كل شيء من عرفان صفات الله تعالى إلى جميع الشئون الإنسانية. والمعرفة الصحيحة تأتي عن طريق البحث العلمي، والتذوق لفلسفة الدين، لا عن طريق الإشراق وحده، ولو كان صاحبه السهروردي، أقول هذا وأنا أعرف قدر التصوف كما أسلفت.
ليس الإحساس بوجود الله دليلا على وجود الله كما يدعي الأستاذ برنجل باتيسون من ناحية المنطق. كذلك ليس التدليل على أن لكل شيء صانعا ما ينتهي بنا إلى إثبات الخالق، وإن توهم ذلك كثيرون من المعلمين في تآليفهم المدرسية المفسدة لأذهان التلاميذ؛ إذ لا بد لهذا المنطق الغريب من أن يؤدي إلى سؤال كفري عن الصانع نفسه! ولا قيمة الآن لحجج أهل الظاهر الذين طالما ابتلي بهم وبجمودهم الحكماء والعلماء في سالف العصور.
إن صفات الله المكشوفة لنا ليست جميع صفاته تعالى، بل لعلها لا تتعدى صفات العوامل الكونية الضابطة للوجود باعتبار هذا الوجود كائنا دوريا، ومظاهر الطبيعة جميعها وحقائقها متمشية مع تلك الصفات أو العوامل. والطريق العلمي الممهد لتعريف الألوهة هو الطريق السيكولوجي؛ لأنه حقيقة واقعة فطرية، ليست بأي حال نتيجة الوهم أو الجهل، وأعني به إحساس الجزء بالكل، واجتذابه إليه. ولعل هذه الظاهرة؛ ظاهرة الإحساس بالألوهة، هي التي أوحت إلى الجنرال اسمطس
General J. C. Smuts
مذهب فلسفة «الكل» الذي يفسر ما يسميه العلماء بالتطور الإبداعي، أو التطور الفجائي في الوجود؛ مما يتعارض مع نظرية الميكانيكية البحتة في الطبيعة. وعنده أن العالم بأسره مدفوع بطبعه إلى الانحراف عن الميكانيكية البحتة، ومتجه نحو تكوين «الكل»، وهذا هو المثل الأعلى الذي يسعى العالم بأسره إلى تحقيقه؛ وبتحقيقه تتحقق منه غايته. وإذا كان هذا الاتجاه نحو تكوين «الكل» أمرا مشاهدا، في جميع أنحاء الكون على اعتبار أن في طبيعة الأشياء نزعة متجهة على الدوام نحو تكوين هيئات منتظمة يسمى كل واحدة منها «كلا»، فلعله مما يقنع بعض الماديين بهذه الجاذبية الطبيعية التي أشرت إليها، والتي أعدها رمز الإحساس بالألوهة، ولذة الأنس بالله التي لا تعادلها لذة، كما يقول حجة الإسلام الغزالي بعد تصوفه.
يقول شاعر أمريكا الفيلسوف ج. سنتيانا
G. Santayana : إن الدين قصة خرافية ابتدعها الضمير. ومع ذلك فهو في الوقت ذاته صاحب فلسفة واقعية نقدية، وقد أطلق على الصور الذهنية والأفكار وغير ذلك اسم «الماهيات»
essences
Unknown page