ثانيا:
أن المدينة، كالأمة، لا يمكن أن تسخر شرعيا لأخرى؛ لأن جوهر الهيئة السياسية هو في توافق الطاعة والحرية، ولأن الكلمتين، التابع والحرية، صلتان متحدتان ذاتا ومعنى فتجتمع فكرتهما في كلمة المواطن الواحدة.
وأجيب، أيضا، بأن من السوء في كل وقت جمع مدن كثيرة في حاضرة واحدة، فإذا ما رغبنا في مثل هذا الاتحاد لا ينبغي لنا أمل اجتناب محاذيره الطبيعية، ولا يجوز أن يعارض بسوء استعمال الدول الكبيرة من لا يبتغي غير صغيرها، ولكن كيف تمنح الدول الصغيرة من القوة ما تقاوم به الكبيرة؟ ذلك كما قاومت المدن الإغريقية الملك الأعظم فيما مضى، وكما قاومت هولندة وسويسرة آل النمسة حديثا.
ومع ذلك إذا تعذر رد الدولة إلى حدودها المناسبة بقيت وسيلة أيضا، وذلك ألا تعاني عاصمة، وأن تحمل الحكومة على الاستقرار بكل مدينة مناوبة، وأن تجمع ولايات البلاد، كذلك، تتابعا.
واعمروا الأرض متساويا، واحملوا عين الحقوق إلى كل مكان، واحملوا الرخاء والحياة إلى كل مكان، فعلى هذا الوجه تصبح الدولة أقوى وأصلح ما يمكن أن يحكم فيها معا، واذكروا أن جدر المدن لا تكون من غير أطلال منازل الحقول، وأرى بعين بصيرتي أن كل قصر يقام في العاصمة بلد بأسره من أنقاض. •••
إذا ما اجتمع الشعب اجتماعا شرعيا كهيئة ذات سيادة انقطع كل قضاء للحكومة، ووقفت السلطة التنفيذية، فشخص آخر مواطن هو من التقديس والحرمة كأول حاكم؛ وذلك لأنه لا ممثل حيث يوجد الممثل، وعن جهل هذه القاعدة أو إهمالها نشأ معظم الاضطرابات التي نشبت في مجالس الشعب برومة المعروفة بالكوميس، فلم يكن القناصل حينئذ غير رؤساء للشعب، ولم يكن التريبونات حينئذ غير خطباء،
1
ولم يكن السنات شيئا مذكورا.
وفواصل الوقف تلك التي يسلم في أثنائها الأمير، أو يجب أن يسلم، بوجود عال فعلي كانت مصدر ذعر له في كل حين، ومجالس الشعب تلك، التي هي ترس الهيئة السياسية وزاجر الحكومة، كانت مصدر هول الرؤساء في كل زمان، فلم يدخروا جهودا، ولا مصاعب، ولا وعودا؛ صرفا للمواطنين عنها، فمتى كان المواطنون بخلاء نذولا جبناء أشد حبا للراحة مما للحرية صاروا لا يعارضون جهود الحكومة المضاعفة زمنا طويلا، وهكذا فإن السلطة صاحبة السيادة تزول في نهاية الأمر بزيادة قدرة «الحكومة» المقاومة بلا انقطاع فتسقط المدن وتهلك قبل الأوان.
غير أنه يتدخل بين السلطة ذات السيادة والحكومة المرادية، أحيانا، سلطة متوسطة يجب أن يحدث عنها.
Unknown page