لا حكومة بسيطة بحصر المعنى، فلا بد للرئيس المنفرد من حكام تابعين، ولا بد للحكومة الشعبية من رئيس، وهكذا يوجد في توزيع السلطة التنفيذية دائما تسلسل من العدد الأكبر إلى الأقل، وذلك مع الفرق القائل باتباع العدد الأكبر للأصغر تارة واتباع العدد الأصغر للأكبر تارة أخرى.
ويكون التوزيع متساويا أحيانا، وذلك عندما يكون بعض الأقسام المكونة تابعا لبعض اتباعا متبادلا كما في حكومة إنكلترة، أو عندما تكون سلطة كل قسم مستقلة، ولكن ناقصة، كما في بولونية، وهذا الطراز الأخير سيئ؛ لعدم وجود وحدة في الحكومة مطلقا، ولافتقار الدولة إلى رابطة.
وأي الحكومتين أصلح من الأخرى، آلحكومة البسيطة، أم الحكومة المركبة؟ هذه مسألة جادل فيها المؤلفون السياسيون كثيرا، فيجب أن يجاوب عنها بذات الجواب الذي أتيته عن جميع أشكال الحكومة آنفا.
والحكومة البسيطة هي الأصلح بنفسها عن كونها بسيطة فقط، بيد أن السلطة التنفيذية إذا كانت غير تابعة للسلطة الاشتراعية بما فيه الكفاية، أي إذا كانت صلة الأمير بالسيد أكثر من صلة الشعب بالأمير، وجب تدارك هذا النقص في النسبة بتقسيم الحكومة؛ وذلك لأنه لا يكون لجميع أقسامها حينئذ سلطان أقل من ذلك على الرعايا، ولأن تقسيمهم يجعلهم كلهم أقل قوة تجاه السيد.
ويتلافى عين المحذور أيضا بنصب حكام متوسطين يصلحون، بتركهم الحكومة على تمامها، لموازنة ما بين السلطتين وصيانة حقوقهما المتقابلة فقط، وهنالك تعود الحكومة غير مركبة وتكون معدلة.
وبوسائل مماثلة يمكن تلافي المحذور المعاكس، فمتى كانت الحكومة رخوة كثيرا أمكن إقامة محاكم لتضامها، وهذا يزاول في جميع الديمقراطيات، وتقسم الحكومة في الحال الأولى لإضعافها، وتقسم في الحال الثانية لتقويتها؛ وذلك لأن الحدود القصوى للقوة والضعف توجد في الحكومات البسيطة على السواء، وذلك على حين تسفر الأشكال المركبة عن قوة متوسطة.
الفصل الثامن
لا يلائم كل شكل للحكومة جميع البلدان
بما أن الحرية ليست ثمرة جميع الأقاليم فإن جميع الأمم لا تطول إليها، وكلما فكر في هذا المبدأ الذي وضعه مونتسكيو شعر بصحته، وكلما جودل فيه لاحت فرصة لتأييده بأدلة جديدة.
والشخص العام في جميع حكومات العالم يستهلك ولا ينتج شيئا، ومن أين تأتيه المادة المستهلكة إذن؟ تأتيه من كد أعضائه، والذي يفيض عن الأفراد هو ما ينتج حاجي الجمهور، ومن ثم ينشأ عجز الدولة المدنية عن البقاء إلا بالمقدار الذي يقدمه عمل الناس من زيادة على احتياجاتهم.
Unknown page