ولم يحرج بهذه الشكوك جميع المعتقدين والمؤمنين، فإن الأوروبيين الذين خرجوا على سلطان الكنيسة الرومانية قد ظهر منهم أناس يؤمنون بالله ولا يؤمنون بالكتب ولا بالشعائر الكنسية، وتسمت منهم طائفة بالربانيين (Deists)
من كلمة ديوس بمعنى الرب أو الإله، وسموا دينهم بدين الطبيعة تمييزا له من دين الكنيسة، واشتهر من هؤلاء في البلاد الإنجليزية لورد هربرت شربري (Cherbury)
المتوفى قبيل منتصف القرن السابع عشر، فدعا إلى دين (طبيعي) يقوم على أركان خمسة: هي الإيمان بالله والعبادة والفضيلة والتوبة واليوم الآخر، ثم تلاه أنتوني كولنس (Collins)
الذي يعتبره الكثيرون أستاذا لفولتير وبنيامين فرنكلين في حرية الفكر، ويحسبون كتابه «محاضرة في الحرية الفكرية» (Discourse on freethinking)
إنجيل هذه النحلة. ثم تلاه تندال (Tindal)
فألف كتابه الذي جعل عنوانه أن «المسيحية قديمة كقدم الخليقة» ليثبت به أن الإيمان سابق للكنائس والمذاهب (1730).
وبعد ظهور الربانيين بقليل ظهرت طائفة أخرى تسمت باسم الإلهيين (Theists)
ولا خلاف بين الاسمين في اللغة لأن كلمة ثيوس (Theos)
مرادفة لكلمة ديوس (Deus)
بمعنى الإله، وإنما الخلاف بينهما في الإيمان بعلاقة الإنسان بالله. فالآخرون يقولون بعمل الله المتواصل في تدبير الكون، والأولون يقولون بأن الله قد أحكم خلق الكون ووكله إلى شريعته وقدره، ومنهم من يؤمن بإله كإله أرسطو يتحرك الكون نحوه بباعث الشوق إلى الكمال ولا يقبل كمال الله أن يتصل بالكون غير هذا الاتصال.
Unknown page