96

ويلجلج كنديد ببضع كلمات أخر، وتبصر زنوئيد ارتباكه، وتتركه مجتنبة بعد الآن أن تكون وحدها معه، ويسعى كنديد بين أن يكونا وحدهما أو أن يكون وحده تماما، ويغرق في سوداء فاتنة له، فقد أولع بزنوئيد، وأراد إخفاء هذا، وكانت نظراته تنم على سر فؤاده، وقد قال: «آه! لو كان بنغلوس هنا لأحسن نصيحتي، فقد كان فيلسوفا عظيما!»

الفصل الرابع عشر

دوام غرام كنديد

كانت سلوى كنديد الوحيدة التي يذوقها محمولا على الاكتفاء بها، هي أن يتحدث إلى زنوئيد الحسناء بحضرة مضيفيهما، وقد قال لها ذات يوم: «كيف احتمل الملك الذي كنتم تزدلفون إليه وقوع الظلم على آلك؟ لديك من الأسباب ما يجعلك تبغضينه.»

وتقول زنوئيد: «وي! من ذا الذي يبغض ملكه؟ ومن ذا الذي يستطيع ألا يحب القابض على زمام الأحكام؟ يعد الملوك صورا حية للألوهية، ولا ينبغي لنا أن ندين سلوكهم مطلقا، وتعد الطاعة والاحترام نصيب الرعايا الصالحين.»

ويجيب كنديد: «يزيد إعجابي بك أيتها الآنسة، وهل تعرفين ليبنتز العظيم، وبنغلوس العظيم الذي أحرق بعد أن كان الشنق قد أخطأه؟ وهل تعرفين الذرات الحية والمادة اللطيفة والأعاصير؟»

وتقول زنوئيد: «كلا يا سيدي، فلم يحدثني أبي عن هذه الأمور قط، وإنما ألقى علي لمحة من الفيزياء التجربية، وعلمني ازدراء جميع أنواع الفلسفات التي لا تؤدي إلى سعادة الإنسان رأسا، والتي تلقي عليه مبادئ مختلة عن واجبه نحو نفسه ونحو الآخرين، والتي لا تعلمه - مطلقا - كيف ينظم أوضاعه، والتي لا تملأ نفسه بغير كلمات جافية وفرضيات جريئة، والتي لا تمن عليه بأي فكر عن صانع المخلوقات أوضح مما يناله مما خلق، ومن العجائب التي تقع كل يوم أمامه.»

ويقول كنديد: «أكرر قولي إنني أعجب بك أيتها الآنسة، فأنت تسحرين قلبي، وتسلبين لبي، وأنت ملك أرسله الرب إلي لإنارة بصيرتي حول سفسطات الأستاذ بنغلوس، يا لي من حيوان مسكين سابقا! يا لاعتقادي أن كل شيء على أحسن ما يكون، بعد أن قاسيت عدة ركلات على أليي، وضربات عصا على كتفي، وضربات سوط على باطن رجلي، وبعد أن عانيت زلزلة، وبعد أن حضرت شنق الدكتور بنغلوس، وشاهدت إحراقه حديثا، وبعد أن اغتصبت اغتصابا شائنا من قبل دميم فارسي، وبعد أن سلبت من قبل صدر الديوان، ورضضت من قبل فلاسفة!» «آه! لقد خاب أملي، ومع ذلك، فإن الطبيعة لم تبد لي بمثل جمالها منذ رأيتك، فجوقات الطيور الريفية تشنف أذني بأنغام لا عهد لي بها، وكل شيء ينتعش، ويلوح طلاء الإحساس الذي يفتنني ذا أثر في جميع الأشياء، ولا أشعر بذلك الفتور الناعم الذي كنت أحسه فيما كان لي من حدائق بسوس، فما توحين به إلي يختلف عن ذلك اختلافا تاما.»

وتقول زنوئيد: «لنكف عن الحديث، فقد تؤذي بقية خطابك رقتي، التي يجب احترامها.»

ويقول كنديد: «سأسكت، ولكن ناري لا تزيد إلا سعيرا»، نطق بهذه الكلمة ناظرا إلى زنوئيد، فأبصر وجهها يحمر، وتمثل أحلى الأماني مثل رجل خبير.

Unknown page