88

ويقول فيلسوفنا: «إن غرض بعثتك محمود جدا، غير أنك محتال يا سيدي الكاهن، ولا أحب المحتالين مطلقا، وأتمتع بثقة في البلاط، فارتجف ، فقد بلغت سعادتك نهايتها، وستجازى بما تستحق.»

ويصرخ البريغوري قائلا راكعا: «ارحمني يا سيدي كنديد، لقد سيرت إلى السوء بقوة لا تقاوم، كما سيرت إلى الفضيلة، وقد شعرت بهذا الميل المقدر مذ عرفت مسيو والب، وعملت في الأوراق.»

ويقول كنديد: «وما الأوراق؟»

ويقول البريغوري: «هي كراريس ذات اثنتين وستين صفحة مطبوعة، يخاطب الجمهور فيها بالافتراء والهجو والجلف، وهو رجل صالح، يعرف القراءة والكتابة، وهو إذ لم يستطع أن يبقى يسوعيا مدة ما يريد أخذ يقوم بذلك العمل الظريف الخفيف لينال ما يدفع به ثمن مخرمات زوجته، وينشئ أولاده على خشية الله، ويعد من الصالحين من يساعدون ذلك الرجل الصالح على القيام بمشروعه في مقابل دراهم قليلة وبضع قوارير من خمر بري، وكذلك ينتسب مسيو والب إلى ناد لذيذ، يتلهى فيه بجعل بعض السكارى ينكرون الله، أو باختلاس مسكين عن جعله يحطم أثاثه ودعوته إلى المبارزة بدلا، ويؤتى فيه من النكت الطفيفة ما يدعوه أولئك السادة خدائع، فيستحقون بها انتباه الشرطه، ثم إن مسيو والب - البالغ الصلاح، والقائل إنه لم يحكم عليه بالأشغال الشاقة - غارق في سبات عميق، لا يشعر معه بأقسى الحقائق، ولا يمكن انتشاله منه إلا ببعض الوسائل العنيفة التي يحتملها مسلما، وببسالة تفوق كل ما قد يقال، وقد عملت حينا من الزمن تحت إدارة صاحب هذا القلم المشهور، فأصبحت صاحب قلم مشهور بدوري، فتركت مسيو والب لأقوم بالأمر بنفسي، حينما شرفت بزيارتك في باريس.»

ويقول كنديد: «إنك محتال كبير يا سيدي الكاهن، ولكن إخلاصك ذو تأثير في نفسي، فاذهب إلى البلاط، وتوسل إلى صدر الديوان الأكرم، فسأكتب إليه نفعا لك، على أن تعدني بأن تكون رجلا صالحا، وبألا تسعى في ذبح ألوف الناس من أجل الحرير والقطن»، ويعد البريغوري بكل ما يطلب كنديد، ويفترقان صديقين.

الفصل التاسع

كنديد يفقد حظوته، رحلات، مغامرات

لم يكد البريغوري يصل إلى البلاط، حتى استعمل كل ما لديه من حيلة لاستجلاب الوزارة والقضاء على المحسن إليه، فأذاع أن كنديد خائن، وأنه قال سوءا عن شاربي ملك الملوك، وتحكم الحاشية كلها بأن يحرق شيا، غير أن الصفوي ظهر أكثر تسامحا، فحكم عليه بنفي مؤبد، بعد أن يقبل قدمي الواشي به، وفق عادة الفرس، ويذهب البريغوري لتنفيذ هذا الحكم، فيجد فيلسوفنا متمتعا بصحة جيدة، مستعدا للسعادة، ويقول له سفير إنكلترة: «أي صديقي، لقد جئت آسفا لأنبئك بوجوب الخروج من هذه الدولة مع تقبيل قدمي، مكفرا عما اقترفت من جنايات كبيرة.» - «تقبيل قدميك يا سيدي الكاهن، إنك لا تفكر في هذا بالحقيقة، لا أفقه شيئا من هذه الدعابة.»

فهنالك دخل بعض الصم الذين اتبعوا البريغوري، وخلعوا نعليه من فورهم، ويخبر كنديد بضرورة الخضوع لهذا الخزي، أو أن يوضع على الخازوق، ويتذرع كنديد بحرية إرادته، ويقبل قدمي الكاهن، ويلبس ثوبا رديئا من بز، ويطرده الجلاد من البلد صارخا: «هذا خائن! لقد قال سوءا عن شاربي الشاه.»

وما يصنع الورع غير الرسمي تجاه ما عومل به محميه على هذا الوجه؟ لا أعرف شيئا من هذا، ويغلب على الظن كونه تعب من حمايته كنديد، ومن يستطيع الاعتماد على رعاية الملوك والنساك خاصة؟

Unknown page