68

ويبصر كنديد ملتن، ويسأله عن عده هذا المؤلف رجلا عظيما، ويقول بوكوكورنته: «من؟! أهذا الجلف الذي وضع تفسيرا طويلا للفصل الأول من سفر التكوين، وذلك بقصائد جافية في عشرة أجزاء؟! أهذا المقلد الغليظ للأغارقة الذي شوه التكوين، فجعل المسيح يأخذ فرجارا من خزانة في السماء ليرسم صنعه، على حين يعرض موسى الكائن الأزلي خالقا للعالم بالكلمة؟ وهل أقدر هذا الذي أفسد جهنم تاسو وشيطانه، هذا الذي نكر إبليس على شكل علجوم

1

تارة، وعلى شكل قزم تارة أخرى، فجعله يكرر ذات الكلام مائة مرة، وحمله على النقاش حول علم اللاهوت، هذا الذي قلد بجد اختراع أريوست الهزلي للأسلحة النارية، فجعل الشياطين يطلقون المدافع في السماء؟ فلم أستطع أنا، ولا أي واحد في إيطالية، أن نعجب بجميع هذه الهذيانات الكئيبة، ومن شأن «زواج الخطيئة والموت» وما تلده الخطيئة من أفاع، أن يقيئ كل إنسان فطر على شيء من الذوق الدقيق، وما وصف به أحد المشافي لا يصلح لغير حفار قبور، وقد ازدري هذا الشعر الغامض الغريب الكريه عند ولادته، فأقف اليوم منه موقف المعاصرين في وطنه، ومع ذلك فإني أقول ما أفكر فيه، ولا أبالي إلا قليلا بتفكير الآخرين مثلي.»

وقد غم كنديد بهذه الملاحظات، فقد كان يبجل أوميرس، ويحب ملتن بعض الحب، ويقول لمارتن مخافتا: «واها! أخشى، أن يكون هذا الرجل محتقرا لشعرائنا الألمان احتقارا كليا.»

ويقول مارتن: «لا كبير ضرر في هذا.»

ويقول كنديد - من بين أسنانه: «وي! يا له من رجل رفيع! يا لبوكوكورنته من عبقري كبير! لا يمكن أن يعجبه شيء.»

وينزلون إلى الحديقة، بعد أن استعرضوا جميع الكتب على ذلك الوجه، ويثني كنديد على جميع محاسنها، ويقول صاحبها: «لا أعرف ما هو أدل على فساد الذوق من هذه الحديقة، فليس لدينا هنا غير زخرف حقير، ولكني سأبدأ في الغد بالغرس وفق أروع رسم.»

ولما استأذن ذانك المحبان للاطلاع صاحب السعادة في الانصراف، قال كنديد مارتن: «والآن توافق على أنه أسعد جميع الناس، فهو يعلو جميع ما يحوز.»

ويقول مارتن: «ألا ترى أنه نافر من جميع ما هو حائز؟ وقديما قال أفلاطون: إن المعدة التي ترفض جميع الأغذية، ليست أصلح المعد.»

ويقول كنديد: «ولكن ألا توجد لذة في نقد كل شيء، وفي الشعور بنقائص، حيث يعتقد الآخرون وجود روائع؟»

Unknown page