فقال كنديد: «لقد تركتني كونيغوند، آه! لا تعدل المرأة خلاسيا صديقا.»
هذا ما كان يتكلم به كنديد وككنبو في السجن المظلم، وقد أخرجا منه ليؤتى بهما إلى كوبنهاغ، حيث يعرف فيلسوفنا مصيره، وكان يتوقع أن يكون فظيعا كما يتوقع قراؤنا، غير أن كنديد أخطأ كما يخطئ قراؤنا، ففي كوبنهاغ كانت السعادة تنتظره، وذلك أنه لم يكد يصل إليها حتى علم موت فلهل، ولم يوجد من أسف على هذا الجافي، وكل كان يعطف على كنديد، وتكسر قيوده، ويزيد اغتباطه بحريته لما يلقى بها زنوئيد، ويهرع إلى بيتها، ويظلان صامتين وقتا طويلا، ولكن صمتهما كان بليغا، ويبكيان ويتعانقان ويودان الكلام، ويبكيان أيضا، ويسر ككنبو بهذا المنظر الرقيق كإنسان حساس، ويقاسم صديقه ابتهاجه، ويكاد يكون في مثل حاله.»
ويقول كنديد بصوت عال: «أي ككنبو العزيز! أي معبودتي زنوئيد! أنتما تمحوان من فؤادي أثر آلامي العميقة، ألا إن الحب والود يعدان لي أياما صافية وأوقاتا لطيفة! ما أكثر المحن التي مرت علي لأبلغ هذه السعادة غير المنتظرة! أي زنوئيد العزيزة، لقد نسي كل شيء! أشاهدك، أنت تحبينني، كل شيء يسير من أجلي على أحسن ما يكون، كل شيء حسن في الطبيعة.»
جعل موت فلهل زنوئيد سيدة مصيرها، وجعل البلاط لها راتبا عن أموال أبيها التي صودرت، وقد أشركت فيه كنديد وككنبو، وقد أسكنتهما بيتها، وقد أذاعت بين الجمهور سابق تلقيها من هذين الغريبين خدما، فتجد أنها ملزمة بإنالتهما جميع أطايب الحياة وبتلافيها ما أصابهما من ظلم، ومن الناس من علم سبب هذه اليد البيضاء، وكان يسهل هذا لسوء الأثر الذي أسفرت عنه معاشرتها كنديد، وقد لامها أكثر الناس على هذا، ولم يستحسن سلوكها غير بعض المواطنين العارفين بأمور الدنيا.
ولم تكن زنوئيد - الحريصة على نيل رضا الأغبياء - راضية عن وضعها، وما كان من إذاعة مراسلي التجار اليسوعيين في كوبنهاغ لخبر موت كونيغوند، منح زنوئيد وسائل استمالة الناس، فتأمر بصنع شجرة نسب لكنديد، ويجعله واضع هذه الشجرة الماهر سليل إحدى أسر أوروبا العريقة، حتى إنه زعم أن اسمه الحقيقي كان كنوت الذي حمله أحد ملوك الدنمارك، وعد هذا محتملا ما دام تحويل «وت» إلى «ديد» غير ذي بال، ويصبح كنديد شريفا سريا بفضل هذا التعبير الصغير، ويتزوج زنوئيد جهرا، ويعيشان عيش هدوء ما أمكن، وما انفك صديقهما ككنبو يقول مع كنديد: «لا تسير جميع الأمور سيرا حسنا كما في إلدورادو، ولكنها لا تسير كلها سيرا سيئا.»
Unknown page