Calam Sudud Wa Quyud
عالم السدود والقيود
Genres
والساعة العاشرة موعد حسن لمن يتناولون اللبن في الغداء، وموعد لا بأس به لمن يتناولونه في العشاء، على شريطة أن يكون محلوبا في صباح يومه ولا يكون «بائتا» متخلفا من اليوم الذي قبله.
فأما في طعام الإفطار فأين هو المستشفى الذي يطعم مرضاه لبنا مضت عليه أربع وعشرون ساعة في الصيف أو في الشتاء؟
وخطر لوكيل السجن الذي خاطبته في هذه المسألة عند مروره بي ساعة الرياضة أن «يتصرف» فيها بعض التصرف على خلاف القاعدة المرعية هناك، فأمر رئيس الممرضين أن يضع المقدار اللازم لي من اللبن في «الثلاجة» من ساعة وصوله حتى ساعة تقديمه في صباح اليوم التالي، عسى أن يمنع ذلك فساده وتخثره ويبقيه سائغا سليما حتى موعد الإفطار.
لكن رئيس الممرضين ذهب إلى المأمور يستأذنه كما هي العادة في كل شيء، فأنكر المأمور هذا الحل «الهرطقي» لأنه بدعة عجيبة لم يتنزل بها الوحي في «الناموس» القديم، ووجب أن يهرق اللبن هدرا وأن يلغى الإفطار عليه حتى تعود اللجنة الطبية إلى فحص جديد.
وليس يخفى أن «النظام» لا يمكن أن يمنع وضع اللبن في ثلاجة المعمل الملحق بالمستشفى أو في أي مكان يحتويه، ولا يمكن أن يمنع صيانة اللبن من الفساد بغير كلفة ولا نفقة زائدة ما دام الثلج لا ينقطع عن المعمل في صيف ولا شتاء، بل صيانة اللبن أنفع للمستشفى وأقل نفقة عليه من شراء لبن جديد لي في الصباح الباكر قبل حضور الأطباء.
ولكن «الناموس» لم ينص بالحرف والوصف على قنينة من اللبن توضع في الثلاجة لأجل سجين يسمى عباس العقاد فهو قد نص إذن على المنع والتحريم! •••
على أن الأخطر والأغرب في باب الضحك والفكاهة، لولا ما فيه من مساس بالحياة، هو قصة انتقالي إلى المستشفى أو انتقال المستشفى إلي، ثم ما كان بعد ذلك من فصل حكيم في هذه المشكلة العضال التي ليس لها إلا ذكاء سليمان بن داود.
وسيعجب القارئ من «عنوان» هذه القصة كما أسلفته؛ لأنه لن يتخيل أن هناك مشكلة تقوم بين مريض ومستشفى لينتقل المريض إلى المستشفى أو ينتقل المستشفى إلى المريض.
ولكنه إذا عرف القصة على جليتها لم يستطع أن يتخذ لها عنوانا أصدق من ذلك العنوان، فهي في الواقع خلاف بيني وبين المستشفى قد انتهى - بحكمة سليمانية - على أن ينتقل هو إلي بدلا من انتقالي أنا إليه.
وجلية القصة أن الأطباء قرروا بعد أيام من دخولي السجن وجوب وضعي في مستشفاه ومعاملتي في اختيار الطعام والفراش وأوقات الرياضة معاملة المرضى.
Unknown page