وفيما بين الأوب الأدنى والمحيط الباسيفيكي تمتد مساحة ضخمة قد تبلغ حجم الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يوجد في هذه المساحة سوى خط حديدي واحد طوله حوالي 115 كيلومترا يربط مدينة نوريلسك بنهر الينسي، وقد وضح أن الصقيع الدائم يشكل مخاطر للسكك الحديدية في سيبيريا الشمالية، وبالإضافة إلى ذلك فإن عدد السكان القليل، وكثرة الطرق النهرية الكافية للاحتياجات الحالية للنقل تجعل التفكير في مد الخطوط الحديدية في هذه الأصقاع عملية مكلفة دون داع أو عائد اقتصادي كبير.
وتشكل أنهار سيبيريا محاور نقل رئيسية من الجنوب إلى الشمال، ويكون خط حديد سيبيريا المحور الشرقي-الغربي للنقل في الجنوب «بامتداده الجديد إلى أعالي لينا»، أما خط الملاحة الشمالي فيكون محور النقل الشرقي الغربي في الشمال، وبذلك تكتمل شبكة نقل بسيطة في هذه المساحة الهائلة، فضلا عن اختلاف جذري في وسيلة النقل على هذه الشبكة: السفن البحرية خلال أشهر الصيف في الشمال، القطارات الحديدية طوال السنة في الجنوب، والأنهار تربط بينهما خلال الصيف أيضا.
وخط الملاحة البحري الشمالي يمكن أن يمثل الشريان الحيوي للنقل في شمال سيبيريا برغم أنه يكون مفتوحا فقط خلال ثلاثة أشهر، وعلى هذا الخط تعمل سفن تقطع المسافة بين مورمانسك وفلاديفستوك «البالغ طولها 5996 ميلا» في رحلة مستمرة، إلا أن معظم الملاحة الشمالية تتركز فيما بين مورمانسك وأركانجلسك من ناحية الغرب، ومصب الينسي من ناحية الشرق؛ أي في بحري بارنتس وكارا، ولا شك أن وراء ذلك دواع ودوافع، فمنطقة مصب الينسي - بما فيها من ثروة معدنية ذات قيمة عالية في منطقة نوريلسك، تستدعي مثل هذه الكثافة النسبية في النقل البحري.
وفضلا عن ذلك فإن الملاحة الشمالية حول شبه جزيرة نايمير ورأس شيلوسكين تتعرض كثيرا للجليد الطافي، والجليد الركامي، وذلك برغم تشغيل كاسحات الجليد الذرية الحديثة، ومثل هذه الظروف أيضا تسيطر على الملاحة في مضيق بيرنج، وفضلا عن هذا فإن كمية الحمولة في المنطقة الشرقية عامة صغيرة، ومن ثم فإن أحد أغراض الملاحة الشمالية هو تموين المدن الساحلية الشمالية باحتياجاتها وتموين القواعد السوفيتية العديدة الخاصة بالأرصاد والأبحاث العلمية والدفاع.
وبرغم أهمية طريق الشمال الملاحي، إلا أنه يمكن أن يتم تموين المناطق الشمالية بواسطة طرق سيبيريا الجنوبية الحديدية والبرية، ثم بواسطة الأنهار المتجهة شمالا، وإلى جانب ذلك فإن السوفيت قد أنشئوا في الفترة الأخيرة عدة طرق برية من النوع الذي يلائم كافة الأجواء، وخاصة في شرق سيبيريا.
ففي المنطقة التعدينية شقت طرق جيدة من أهمها طرق ألدان الرئيسي الذي يبدأ من الخط الحديدي شمالي قوس نهر آمور، ويتجه شمالا عبر جبال ستانوفوي إلى ألدان، ثم يواصل السير شمالا إلى ياكوتسك، وهناك طريق رئيسي جديد آخر يسمى طريق كوليما الذي يبدأ من ميناء ماجادان في شمال بحر أوختسك ويعبر ممرات جبال كوليما وشيرسكي إلى أعالي كوليما وأنديجاركا، ثم يتجه جنوبا بالغرب ليعبر نهر ألدان ويصل في النهاية إلى ياكوتسك، ويخدم هذا الطريق مناطق تعدين الذهب الهائلة وصناعات الفحم العديدة في أعالي كوليما وأنديجاركا، هذا إلى جانب القصدير والتنجستن.
وتنقل ميناء ماجادان - التي تظل مفتوحة للملاحة طوال السنة بواسطة محطمات الجليد - كل المؤن والمعدات اللازمة لأعمال التعدين العديدة الجارية في الشمال، بالإضافة إلى كميات الوقود لمساحة عدة آلاف من الكيلومترات بواسطة شاحنات ضخمة وسائقين مدربين لمثل هذه الظروف القاسية مناخا والتربة ذات الصقيع الدائم، وعبر طرق غير معبدة بالمعنى المفهوم، وهناك فرع من طريق كوليما عند جبال شيرسكي يمتد شمالا بغرب عبر الجبال إلى وادي نهر يانا - الذي يقع بين أنديجاركا ولينا، وينتهي هذا الخط عند تجني يانسك عند مصب نهر يانا - المسافة بين ماجادان وتجني يانسك 3500كم، ويفتح هذا الطريق المؤقت من نوفمبر إلى مايو ليستفيد من الأرض المتجمدة دون وجود مستنقعات وبحيرات تعوق السير.
وإلى جانب هذه الطرق، هناك طريق آخر يمتد غربا من ياكوتسك إلى فيليويسك حيث مناجم الماس الغنية، وبذلك تصبح ياكوتسك مركزا هاما لتقاطع الطرق الرئيسية في سيبيريا الشرقية - إلى جانب مطارها الكبير، وانتفاعها بنهر لينا الواسع كطريق مائي كبير يقود إلى الشمال حيث ميناء تكسي على بحر لابتف.
وعلى هذا النحو فإن السكك الحديدية والقنوات تكون شبكة نقل هامة في الشمال الأوروبي، بينما يعتمد النقل في الشمال الآسيوي على الأنهار وخط الملاحة الشمالي ومجموعة الطرق البرية في شرق سيبيريا، وتبرز سيبيريا الغربية كمنطقة غير مخدومة كثيرا؛ لكثرة مستنقعاتها، ولقربها من خط حديد سيبيريا الشمالي قربا نسبيا. (7) السكان والمدن (7-1) السكان
برغم ما ذكرنا من نشاط اقتصادي تعديني وصناعي أولي فإن الشمال السوفيتي كله قليل السكان جدا، حقا زادت كثافة السكان كثيرا خلال العهد السوفيتي في عدة مناطق من هذا الشمال إلا أن هناك مساحات هائلة تكاد لا توجد فيها مساكن على الإطلاق.
Unknown page