وقال من قال إن الأشياء على الحظر: لا يسعه أن يتخلف عن شيء من دينه، ولا أن يركب شيئا من خلافه ويؤثمونه بذلك. ويفرقون بين من كان على دين الله فأجاب إلى شريعة من بعده وبين من كان على الشرك. فالأول/ يسعه والثاني لا يسعه. وكذلك من قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجملة التي يدعو (¬1) إليها من التوحيد لا مشركا كان (¬2) أولا على دين فيسعه التخلف معما ورد بعده من الشريعة. وأما ما كان مشروعا في الجملة التي قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعه التخلف عن جميع ما تضمنته تلك الجملة. وهذا أشبه الأقاويل. وللعجب عندنا أنا ضيقنا على المشرك في جميع ما خالف فيه شريعة محمد عليه السلام سمع أو لم يسمع، فإذا اجبا إلى شريعة من قبله ولم يسمع حطوا عنه جميع ما أوجبوه أول مرة من شريعة محمد عليه السلام إلا ما في شريعته هذه.
وأما الذي ذكرنا من الأشعرية والمعتزلة فيوسعون عليه في كل شيء حتى يسمع. وأما (¬3) من قال بالوقف من الأشعرية توقف لا يدري.
... القول فيمن كان في جزيرة من جزائر البحر حيث لا يبلغه خبر النبي عليه السلام ولا خبر أحد من/ النبياء عليهم السلام، ما الذي يعه في توحيد ربه والإيمان بالرسل وما الذي عليه أن يمتثله من دين الله عز وجل.
اختلف الناس في هذا على قدر أقاويلهم:
قالت القدرية: عليه أن يؤمن بالله ويوحده؛ لأن ذلك يتضمن العقل علمه إذ استعمل الدلائل. فمن لم يؤمن ولم يعرف فهو كافر. واختلفوا هم والأشعرية في المدة.
فمن قائل: الحالة الأولى تسعه، ومن قائل: ما دام مفكرا. فأما الذين قالوا بالفكر في الحجة فقد وسعوا الشرك على الجاهل وعطلوا التوحدي على البالغ.
Page 86