213

Cadl Wa Insaf

العدل والإنصاف للوارجلاني

Genres

اعلم أن الناس قد اختلفوا فيما يقع فيه النسخ. قال بعضهم: لا يجوز إلا في الأمر والنهي، ومعناه أن الأمر إذا ورد آخرا أزال حكم النهي من حينه، والنهي إذا ورد آخرا أزال حكم الأمر. والأمر والنهي قائمان بأعينهما. وقال بعضهم: إن النسخ يلحق الأمر/ والنهي والطاعة والمعصية لأن الطاعة تبع للآمر ونتيجته، والمعصية تابعة للنهي ونتيجته. وقال بعضهم: إن النسخ يلحق الأمر والنهي، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب؛ لأن الثواب تبع للطاعة كما أن العقاب تبع للمعصية لأنه محال زوال الأمر وتبقى الطاعة، وزوالهما ويبقى الثواب. كما أنه محال زوال النهي وتبقى المعصية أو زوالهما ويبقى العقاب.

وقال بعضهم: يجوز نسخ هذه الثلاثة، وزادوا جواز نسخ الأخبار عن العقاب والثواب. ولا بد من تحقيق هذه المعاني الأربعة وتفصيلها.

اعلم أن الأمر والنهي من أفعال الله تعالى كما قدمنا إيجابا وإعلاما. فأما الأيجاب فإلزام من الله عز وجل العبد ما كلفه. وأما الإيذان فالأوامر الظاهرة في القرآن خبر، أوامر، أو جهة الخطاب. ولا إحالة في شيء من/ هذا لأنه قد كان ووقع، وليس في العقل ما يحيله ولا ما يبطله، وذلك أن الله تعالى قد افترض على نبيه عليه السلام استقبال بيت المقدس في أول الأمر بإجماع ثم ردهم إلى استقبال الكعبة بإجماع، قال الله تعالى: { قد نرى تقلب وجهك في السماء ........ الحرام } (¬1) . فرأينا الأمر الأول من امتثله أطاع، ومن تمادى بعد النسخ عصى، فتعاقب الطاعة والمعصية، ثم زال كل واحد منهما بزوال موجبه فتناسخت وتعاسقبت فحكم الأمر والنهي واحد، وحكم الطاعة والمعصية واحد، وحكم الثواب والعقاب واحد. والخبر عن وجوب الثواب ووجوب العقاب

Page 213