وفي أثناء صياحه وقعت حمامة مقتولة على رأسه فاستولى على قلبه الحزين الرعب «فنط» من الجرن وأخذ يعدو من الخوف، وترك امرأته مضرجة بدمائها.
فالتف حول جرنه الأهالي، وأخذوا يطفئون النار، أما هو فسار مسرعا جهة الصيادين باضطراب عظيم وصرخ فيهما: حرام يا ناس.
فانتهره اللفتننت وقال غاضبا: جود ديمن بلاد فول!
ثم أراد أن يهجم عليه ويضربه، فخاف محمد عبد النبي من الإنجليزي لئلا يقتله، فمسك منه البندقية بقوة شديدة، فاستاء اللفتننت من ذلك وأخذ يضربه بجزمته بقوة على قصبة رجله.
والرجل يصرخ ويستغيث، فجاء على صياحه بعض الأهالي وفي مقدمتهم شيخ الخفر وخفيران، فظن المستر بورتر أنهم جاءوا لقتالهما، فضرب بندقيته وأطلقها عليهم فأصابت ثلاثة أشخاص منهم.
فهاج لذلك الأهالي وهجموا على الضابطين ليأخذوا منهما سلاحهما، فضرب الضابطان الأهالي بأرجلهما. وفي تلك اللحظة قدم الميجر ومن معه فرأى الخطب جسيما والمصاب كبيرا، فجاء إلى اللفتننت - وعلامة الغضب بادية على وجهه - وقال له: سلم لهم البندقية، ثم حانت منه التفاتة؛ فرأى الكبتن بول محاطا بكثير من الأهالي قابضين على بندقيته، فصاح عليه بأن يسلم هو أيضا.
ولما رأى أن الأهالي لم تكتف بذلك، عمد إلى تسليم بندقيته، وأمر الباقي بذلك، فسلم الضباط سلاحهم العسكري ورفعت الراية البيضاء علامة التسليم، ثم قبض الميجر بيده اليمنى على يد بورتر وباليسرى على يد اللفتننت إتماما للحيلة؛ تظاهرا بأنهما سجناء، ثم ساروا جهة العربات فسارت الأهالي من خلفهم، وكان الكبتن بول متخلفا عن رفقائه قليلا.
فنظر الميجر يمنة ويسرة يبحث عن الأومباشي فلم يجده إلا على بعد خمسين ياردة، واقفا ينظر إليهم من على جواده، ولما رأى الضباط ينظرون إليه عمل «حازطور» وهو بعيد عنهم على ظهر الحصان! فعض الميجر على شفتيه من الغيظ.
ثم التفت إلى عبد العال فلم يجده، ولكن رأى الكبتن بول يصرخ في الأهالي ويتوعدهم بكل مصيبة، ولم يكتف بذلك بل ضرب أحدهم على وجهه، فأراد الميجر أن يجري إليه ليمنعه، ولكن رأى على فجأة الضباط يضربون الأهالي والأهالي تضرب الضباط.
فجرى حتى دخل وسط المعمعة، وأراد أن يفصل بينهم، ولكن لم يشعر إلا وقد وقعت على رأسه ضربة أذهلته فغاب عن صوابه، فرجع الضباط القهقرى، ولكن الأهالي لم تمهلهم، فتقدموا إليهم وضرب كل واحد منهم واحدا فتشتت شملهم، فصرخ الكبتن بول: آه يا قومندان ... لماذا سلمنا سلاحنا؟ فلم يجبه إنسان على سؤاله! فأخذ المسكين يعدو والأهالي من خلفه تقذفه بالحجارة والطوب، فأراد اللفتننت أن يساعده فأخذ يجري خلفه حتى رأى طوبة صدمت رأس الكبتن بول فشجتها وسال الدم، فرجع هاجما على الأهالي ليضربهم، ولكن أحدهم ضربه بطوبة على أنفه، ثم رأى الميجر يضرب أحد الفلاحين ويرفسه برجله فجرى ليساعده، ولكن وقف بغتة على أثر رؤية ضربة من أحد الفلاحين كسرت ذراع الميجر، فاصطكت أسنانه من الرعب، خصوصا عندما رأى القومندان على الأرض مغشيا عليه.
Unknown page