قال يوسف: سأظل غريبا مطاردا أينما حللت.
قال خميس: أنا مثلك سوف أعيش دوما على الهامش، فلا أرض لي ولا مسكن.
قال الشيخ سليم: أهل القرية طالبوا الأمن بترحيلي، اتخذوا قرارهم وكأنهم يسارعون للتخلص من دنس علق بثيابهم. لو أن إغاثة مسيحي واحد كانت خطيئة، ألم تشفع لي سنوات طوال قضيتها بينهم أدعو صادقا إلى الخير وأنهى عن الشر؟!
ونهض الثلاثة قاصدين محطة القطار.
أعلن المذيع الداخلي للمحطة أن القطار المتجه إلى مصر سوف يتحرك في الخامسة صباحا.
على أحد المقاعد الخشبية جلس الثلاثة يترقبون بزوغ الفجر. (تمت)
حكاية بهنس
على مقعد خشبي أمام بيته الكبير، اعتاد صالح بهنس الجلوس بمفرده من العصر إلى ما بعد غروب الشمس، يميل برأسه تارة إلى اليمين حيث يمتد حقله الواسع بأشجاره العالية وبساطه الأخضر، وتارة إلى اليسار نحو أطراف البراري حيث الأرض القاحلة الجرداء إلا من بقع من حشائش قصيرة يكسوها الغبار. لا تقطع عليه خلوته إلا زوجته التي تأتيه مستندة إلى عكازها، تضع إلى جانبه كوبا من الشاي أو كوبا من الماء، وتربت على كتفه في صمت، ثم تعود أدراجها.
لسنوات طويلة مرت، كان بهنس مضرب الأمثال في جلده وصبره وعزيمته التي لا تلين. طرده أبوه من منزله لأنه تزوج دون أن يستأذنه، فلجأ إلى البراري وبنى عشته من فروع الأشجار وعيدان الغاب، وأعمل فأسه في البوار فأصلح من الأرض كل يوم شبرا. لمدة طويلة ظل يعمل أجيرا هو وزوجته، إلى أن جمعا أول محصول لهما من أرضهما المستصلحة، فتفرغا لزراعتها واستصلاح المزيد، حتى صار بهنس الآن مالكا لأكثر من عشرة أفدنة.
تحمل هو وزوجته معا كل أشكال العناء والفقر، أما أبناؤهما فقد عاشوا زمن الأمان ورغد العيش، حتى إذا ما شبوا عن الطوق حاولوا إقصاءه عن كل عمل بحجة الحرص على صحته، إلى أن أفلحوا فسجنوه داخل بيته لا يكاد يبرحه، واختاروا أكبرهم فجعلوه أبا بديلا يستشيرونه في أمورهم ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، وكأنهم أصدروا عليه حكما بالخرف غير قابل للنقض.
Unknown page