لم يعقب أديمار. أردف رئيس التحرير: نفوذ العلماء في عصر الدولة العالمية يفوق بكثير ما كان للمحاربين ورجال السياسة في عصور سابقة. لقد باتوا يسيطرون على كل شيء؛ على عقل الإنسان، ووجدانه، وعلى الطبيعة والمجتمع. كاد الأمر أن يفلت من قبضة الإدارة الحاكمة. - ماذا يريد العلماء من الموتى!
أجاب: يريدون، مثلا، أحياء فقدوا الرغبة في الحياة يجرون عليهم تجاربهم. العلماء لا يقيمون وزنا إلا لمنهجهم التجريبي وأغلبهم لا يبالون بالاعتبارات الأخلاقية، وهذا مكمن خطرهم على حضارتنا. وما دمنا نعتبرهم صناع الحياة، فكل شيء لديهم مبرر ومباح.
لم يكن أديمار مستريحا لكلام رئيس التحرير، لكنه ظل لفترة يمعن التفكير فيما قال.
تفقد أديمار والملازم عمرو كل منشآت المؤسسة، وبينما كانا يتجولان في المبنى الضخم الخاص بالمعامل طلب أديمار مقابلة البروفسير ماريو رئيس المؤسسة، وتعجب عندما رأى الرجل المبجل قد تنازل وأتى إليه. ظل أديمار يبدي إعجابه بالتجهيزات المتقدمة جدا في المكان، وتظاهر بأنه مأخوذ تماما بما يراه، أما ماريو فكان هادئا باردا يرسم ابتسامة باهتة على وجهه. فاجأه أديمار: أعتقد أن إعداد الموتى للدفن لا يحتاج إلى كل هذه التجهيزات.
ببرود وامتعاض عقب البروفسير: نحن نترك هذه المهمة الشاقة لغيرنا، ونكتفي فقط بإجراء بحوث محددة لاكتشاف العلاقة بين جينات وراثية معينة والرغبة في الموت الاختياري، بالطبع بهدف وضع حد لهذه الظاهرة.
كان رد ماريو مفحما، فاكتفى أديمار بقوله: على أية حال أنتم تقدمون للدولة العالمية خدمات جليلة.
ناقش أديمار خطته مع الملازم عمرو، قال: إذا افترضنا أنهم يحتجزون أشخاصا لإجراء التجارب عليهم، فلا بد أن يكونوا قد أسقطوا أية بيانات عنهم، وهنا لن تجدي البيانات الرسمية أي نفع. إن الطريقة التي فكرت الصحفية أرينا في اتباعها هي بالفعل الأكثر جدوى. لا بد من الدخول إلى ميتا زد ومراقبة ما يدور فيها عن قرب؛ لذا فإن علينا أولا ...
قاطعه الملازم عمرو: استدعتني الإدارة المركزية. طلبوا مني العودة على وجه السرعة. - كيف لم يبلغني أحد!
في اليوم التالي، اتصل الكابتن أديمار بالإدارة المركزية للأمن، وتعمد ألا يأتي على ذكر الملازم عمرو، وشرع في إبلاغ رئيسه بخطته. قاطعه الرجل محتدا: لقد تجاوزت المهمة التي كلفت بها. أبلغتك المؤسسة رسميا بأن الصحفية أرينا لم تدخل ميتا زد. البحث عن المفقودين من اختصاص الأمن المحلي. مهمتك انتهت، فلتعد تقريرك وتعرضه علي في الغد.
بضعة أسابيع مرت بعد خروجها من المركز الطبي ولم تتمكن نور خلالها من الاتصال بالكابتن أديمار للوقوف على ما تم بشأن اختفاء صديقتها، وأخيرا تمكنت من محادثته هاتفيا، قالت: أردت فقط أن أعرف ما الذي انتهى إليه بحثك في موضوع اختفاء ...
Unknown page