Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
في البداية، في عام 1933، كان يوجد الصاروخ «أجرجات-1»، أو «إيه-1». ومثلما يصف فون براون لاحقا: «استغرق بناء الصاروخ عاما ونصف العام، واستغرق نصف عام آخر لتفجيره.» أدخلت تعديلات كبرى على التصميم؛ مما أدى إلى تطوير الصاروخ «إيه-2». وعلى غرار سابقه، كان الصاروخ «إيه-2» يعمل بمحرك من تصميم فون براون، تبلغ قوة دفعه 650 رطلا، وقد حلق صاروخان من طراز «إيه-2» بنجاح في ديسمبر 1934، حيث وصلا إلى ارتفاع ميل.
بحلول ذلك الوقت كان النازيون على رأس السلطة، وكانوا على أتم الاستعداد لرفض معاهدة فرساي برمتها، ولم تكن لمشروعية بحوث الصواريخ أية ميزة؛ إذ كان نموذج الصاروخ الفائق الذي تصوره بيكر وخطط له يعتمد على فوائده العسكرية. ومثلما كشفت الأحداث خلال وقت قصير، بدت هذه الفوائد العسكرية هائلة، ولا يمكن تقدير قيمتها إلا من خلال وجهة نظر رجل عسكري ألماني.
قبل قرن مضى، قال نابليون إن بروسيا «خرجت من رحم قذيفة مدفعية». وكان الأمر ينطبق تماما على الدولة النازية؛ إذ كتب هتلر يقول: «سوف نتسلح مجددا!» وسرعان ما سيثبت بعد ذلك أنه رجل يفي بوعوده. تدفقت أموال عمليات إعادة التسليح بوفرة هائلة، وهو ما شجع جنرالات الجيش على إعادة التفكير في رغباتهم المؤجلة، وأيضا على المساهمة في جهود البناء؛ وبينما كان الوطن يبدأ في إحكام قبضته الحديدية استعدادا لمعركة أخرى، كان زملاء بيكر من خبراء المدفعية في مقدمة الصفوف.
كانت الحرب العالمية الأولى هي حرب مدفعية، وكان جنود سلاح المدفعية، الذين انتشروا في كل كتائب الجيش، يعون تماما أن التطورات في هذا المجال قد ساعدت بقوة في إنجاح الحرب. ودمرت مدافع بيج برثا - وهي إحدى نتائج عمليات التطوير في فترة ما قبل الحرب - مجموعة من الحصون البلجيكية القوية مما أفسح المجال أمام غزو فرنسا. وبحرا، أكدت السفن الحربية المزودة بالأسلحة الثقيلة على أهمية سلاح المدفعية من خلال البحرية الملكية في معركة يوتلاند، وهو ما اضطر البريطانيين إلى الانسحاب وأظهر ضعفا فادحا في طراداتهم الحربية، وهي فئة رئيسية من السفن الحربية. وربما كان صاروخ بيكر المقترح، الذي كان يتجاوز أوجه القصور في أسلحة المدفعية التقليدية، يبشر بمزيد من الانتصارات الساحقة.
بالإضافة إلى ذلك، كان خبراء المدفعية يعون جميعا الآثار الكارثية التي خلفتها سلسلة من القذائف المدفعية الثقيلة، وكانت تلك الآثار تتجاوز تمزيق أجساد الجنود إلى أشلاء وتشويه أجساد الناجين من عمليات القذف؛ إذ شملت أيضا الإصابة بصدمة القصف؛ وكان هذا رعبا يتجاوز حد الخوف، وهو ما كان ينشأ عن تجربة الرقود في خندق تحت وابل مستمر من المواد الشديدة الانفجار، مع انعدام القدرة على الاختباء أو الهرب. فماذا عساه أن يحدث إذن، إذا تمكنت صواريخ بيكر من حمل قذائف كهذه إلى باريس أو لندن؟
قذفت القوات الألمانية باريس بمدافعها التي تحمل أسماءها، واستخدمت طائرات زبلن الحربية لإسقاط القنابل على لندن. ولم تحدث تلك الهجمات إلا أثرا طفيفا، لكن مجرد مشاهدة مدفع بيج برثا زنة 98 طنا، الذي كان يجره ستة وثلاثون جوادا، أصاب مواطني مدينة ليج في بلجيكا بحالة من الصدمة جعلتهم يصمتون في ذعر شديد، ذعر زاد كثيرا عندما أدى إطلاق قذيفة واحدة من هذا المدفع إلى تحطم معظم النوافذ في المباني المجاورة. وبالمثل، ربما يقضي القذف الكثيف باستخدام صواريخ بيكر الطويلة المدى في حقيقة الأمر على إرادة باريس أو لندن في المقاومة.
يضاف إلى ذلك أيضا إمكانية الحصول على هذه الأسلحة بسرعة وبتكلفة زهيدة. ولم يكن أحد قد تصور بعد التكلفة المرتفعة وطول فترة التطوير التي ستتسم بها برامج تطوير الأسلحة المستقبلية بعد ذلك، لكن الجميع كان على دراية بالتقدم السريع والهائل في مجال الطيران الحديث. وربما يأتي صاروخ بيكر في صورة نوع جديد من الطائرات الحربية، يصمم بطريقة مباشرة ومعقولة، ثم ينتج بتكلفة غير باهظة وبأعداد هائلة.
في مارس 1936، بعد خمسة عشر شهرا فقط من عمليات الإطلاق التجريبية الناجحة لصواريخ «إيه-2»، كان دورنبرجر وفون براون على استعداد لتحقيق هدف بيكر المعلن من خلال مجموعة محددة من المتطلبات. وكانا يعملان في حقيقة الأمر على صاروخ «إيه-3» التجريبي، مستخدمين محركا بقوة دفع بلغت 3300 رطل، وكان الصاروخ التالي في السلسلة، «إيه-4»، هو نموذج الصاروخ الفعلي. وكانا قد أدركا أن محرك الصاروخ سيحقق قوة دفع تصل إلى 25 طنا متريا؛ أي ما يعادل 55 ألف رطل. اقترح دورنبرجر - الذي كان يصف نفسه بأنه «خبير قديم في المدفعية الطويلة المدى» - أن يحمل صاروخ «إيه-4» طنا من المواد الشديدة الانفجار إلى مسافة 160 ميلا، وهو ما يضاهي حمولة مدفع بيج برثا وحمولة أثقل المدافع البحرية أثناء الحرب، مع إطلاق قذائف يتجاوز مداها مدى مدفع باريس. وبعد مرور ست سنوات ونصف سنة، في ذلك اليوم الخريفي المشمس من عام 1942، دفع إطلاق هذا الصاروخ دورنبرجر إلى ذروة السعادة؛ حيث انطلق الصاروخ في أولى رحلاته الناجحة.
في تلك الأثناء، كان سيرجي كوروليف في موسكو يواصل أبحاثه بدعم من جيشه، وإن كان ذلك لتحقيق أهداف لم تكن على هذا القدر نفسه من الطموح؛ فلم يكن كوروليف يتصور إطلاق قذائف صاروخية موجهة نحو لندن، بل سار على نهج المارشال توكاشيفسكي وصار مهتما بالطائرات التي تعمل باستخدام الصواريخ. وفي عام 1934 ألف كوروليف كتابا سماه «رحلات الصواريخ في طبقة الستراتوسفير»، نشره الجيش الأحمر. كما واصل كوروليف أبحاثه وتجاربه في معهد البحوث العلمية للدفع العكسي الذي كان مؤسسا حديثا وقتها، والذي كان يسعى إلى جمع المهتمين بالصواريخ في موسكو وليننجراد.
لم تسر عملية دمج جمعيتي المهتمين بالصواريخ على ما يرام. وكان مختبر ديناميكا الغازات قد أنشئ في مقاطعة ليننجراد العسكرية، التي كان يرأسها توكاشيفسكي. لكن، كانت مجموعة موسجيرد ترجع في جذورها إلى تصورات توكاشيفسكي فيما يخص رحلات الفضاء، وكانت جماعة المهتمين بالصواريخ في ليننجراد، وهي جماعة متشددة، ترى في مجموعة موسجيرد لفيفا من الحالمين . ولم يساعد جماعة المهتمين بالصواريخ في موسكو كون مختبر ديناميكا الغازات الشريك الأساسي في عملية الدمج، والذي صار رئيسه السابق إيفان كليمنوف رئيسا للكيان المدمج. شغل كوروليف، الذي كان نائبا لكليمنوف في البداية، المنصب لبضعة أشهر فقط قبل التنازل عنه لخبير مدفعية آخر في مجموعة مختبر ديناميكا الغازات، وهو جورجي لانجماك. وواصل كوروليف عمله ككبير المديرين الهندسيين، لكنه لم يتول إدارة الأنشطة الكلية لجماعة معهد البحوث العلمية للدفع العكسي.
Unknown page