Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
2
لكن، على الرغم من نجاح هذا الإنجاز، لم يصل رواد الفضاء إلى القمر ؛ حيث لم تطأ أقدامهم سطحه. كما أن هذا لم يتحقق أيضا مع «أبولو 9» أو «أبولو 10»؛ حيث كانت هذه البعثات تتمثل في تجربة مركبة الإنزال القمري، فضلا عن المركبة الفضائية المأهولة، في مدار أرضي أولا، ثم في مدار حول القمر. لكن، أجريت عملية الإنزال في بعثة «أبولو 11»، وأطلق على المركبتين الفضائيتين في هذه الرحلة اسمان يلائمان هذا الحدث القومي التاريخي؛ حيث أطلق رواد الفضاء نيل أرمسترونج وباز ألدرين ومايك كولينز عليهما اسمي «كولومبيا» و«إيجل» (أي النسر).
انطلق أول شخصين هبطا على سطح القمر من قاعدة كيب كانافيرال يوم 16 يوليو 1969، بعد سبعة أشهر من رحلة «أبولو 8». شاهدت أعداد هائلة من سكان العالم الحدث لحظة صعود الصاروخ «ساتورن 5»، واستمعت إليه وسط هدير هائل، فوق عمود من النيران أكثر سطوعا من الصلب المصهور الأبيض الساخن. بعدها بأربعة أيام وصلوا إلى مدار قمري، وولج أرمسترونج وألدرين مركبة الإنزال، التي أطلقت ناسا عليها «إل إم»، أي المركبة القمرية. عند انفصالها عن «كولومبيا»، المركبة الأم، أرسل أرمسترونج قائلا: «لإيجل جناحان»، كما كان بها وقود دفعي يكفي لاثنتي عشرة دقيقة من أجل استخدامه خلال عملية الهبوط على سطح القمر. لم تكن طبيعة القمر الخالي من الهواء لتسمح بأية حال بالهبوط بواسطة المظلات؛ لذا، كان على رواد الفضاء إبقاء محركاتهم قيد التشغيل في كل شبر من الطريق.
الآن، على ارتفاع 34 ألف قدم، سمعوا صوت جهاز الإنذار الرئيسي مدويا. أومض الكمبيوتر بعلامة تحذيرية، وأشار إلى وجود حمولة زائدة. تسارعت ضربات قلب أرمسترونج؛ إذ كان يعلم أن باستمرار ذلك سيضطرون إلى إنهاء عملية الإنزال. توصل إلى حل للمشكلة، لكن سرعان ما تكررت. بعد حدوث ذلك عدة مرات، نقلت هيوستن بعض المهام إلى كمبيوتر أرضي الموقع، على مسافة ربع مليون ميل. قل مستوى الصعوبة، وتضاءل احتمال إيقاف الإنزال. مضت «إيجل» في طريقها نحو إتمام عملية الإنزال وسط بحر السكون.
عمل الكمبيوتر الموجود على متن المركبة على توجيهها بينما تواصل هبوطها. على ارتفاع ألف قدم، رأى أرمسترونج أنهم يهبطون في اتجاه فوهة عرضها عدة مئات من الأقدام، يحيطها نطاق ممتد من الجلاميد الكبيرة. تولى أرمسترونج توجيه المركبة عوضا عن الكمبيوتر، موجها مركبة الإنزال بينما كان يبحث عن أرض خالية ومستوية. عثر أرمسترونج على مبتغاه، لكن في تلك الأثناء كان مستوى الوقود ينخفض بشدة.
الآن، مع اقتراب أرمسترونج ، أثار عادم صاروخه الغبار القمري وحجب رؤيته؛ قال أرمسترونج لاحقا: «صار هذا الغبار المتطاير أكثر كثافة، كان الأمر أشبه بعملية هبوط وسط ضباب أرضي سريع الحركة.» ركز عينيه على الصخور التي ظلت مرئية عبر الضباب. كانت لا تزال أمامه مسافة ستين قدما ليقطعها، والوقود الذي معه كان يكفي لستين ثانية. لم يطأ الأرض بقدميه بعد، ولم يعد متبقيا لديه سوى ثلاثين ثانية.
قال ألدرين: «ننحرف إلى اليمين قليلا، ضوء التماس. حسنا، توقف المحرك.» لامست المجسات في منطقة الهبوط السطح. أغلق المستكشفان المحرك وسط موجة سريعة وعارمة من النشاط، ثم تطلع كل منهما في الآخر وشبكا أيديهما. قال أرمسترونج: «هيوستن، هنا قاعدة السكون. هبطت «إيجل».» أجابت هيوستن: «روجر، قاعدة السكون، نسمعك على الأرض. لقد حبست أنفاس الرجال هنا وتحول لونهم إلى الزرقة. ها نحن نتنفس من جديد. شكرا جزيلا.»
وصف أرمسترونج بعد ذلك منطقة الهبوط قائلا: «خارج النافذة سهل مستو نسبيا، يحتوي على عدد كبير إلى حد ما من فوهات يتراوح محيطها بين خمس أقدام وخمسين قدما، وبعض النتوءات الصغيرة بارتفاع عشرين أو ثلاثين قدما، حسبما أظن. نرى أمامنا على مسافة بضع مئات من الأقدام بعض الكتل البارزة التي قد يصل حجمها إلى قدمين. ثمة تل في مجال الرؤية.» كان هذا الوصف ملائما؛ إذ كانوا قد تسلقوا تلا مرتفعا بالفعل.
استغرق الأمر بضع ساعات من الإعداد قبل أن يصبحا جاهزين لفتح فتحة الخروج والنزول على سلم من تسع درجات للسير على سطح القمر. خرج أرمسترونج أولا: «أنا في أسفل السلم. على الرغم من أن السطح يبدو دقيق الحبيبات للغاية عند الاقتراب منه، فإنه أشبه غالبا بمسحوق. سأترجل الآن عن المركبة القمرية.»
كان أرمسترونج قد خطط سابقا للكلمات الخالدة التي سيتفوه بها في هذه اللحظة: «هذه خطوة صغيرة للإنسان، لكنها وثبة عملاقة للبشرية كلها.» كان يقصد أن يقول «خطوة صغيرة للمرء»، بيد أنه تعثر في نطق عبارته نظرا لإثارة الحدث.
Unknown page