133

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Genres

كان الرئيس قد اتخذ قراره بدافع حدسي؛ حيث كان يعلم أن التكلفة ستكون هائلة، لكنه قبل هذا التحدي باعتباره تحديا لا بد له من مواجهته، الآن وهنا. كان ينوي معرفة المزيد من زملائه الآخرين، ليتأكد من الأمر، لكن عندما فض الاجتماع، كان يدرك في قرارة نفسه ما يريد فعله. مع مرور أيام الأسبوع، انصرف انتباهه إلى مسألة منفصلة تماما، وهي عملية غزو ترعاها وكالة المخابرات المركزية لكوبا انطلاقا من خليج الخنازير.

شكل الغزاة قوة من اللاجئين الكوبيين المنفيين، أطلق عليهم كاسترو «جوسانوس»؛ أي الديدان. خطط ريتشارد بسل لتنفيذ العملية، مديرا إياها بأسلوبه الشخصي الذي سبق أن استخدمه مع برنامجي «كورونا» و«يو-2»؛ حيث وضع خطة صغيرة لتنفيذ عملية سرية يجري القيام بها من خلال غزو برمائي، في ظل دعم جوي. كانت وكالة الاستخبارات المركزية قد اتخذت خطوة مشابهة إلى حد ما في عام 1954، من خلال الإطاحة بإحدى الحكومات الماركسية في جواتيمالا؛ بيد أن كاسترو تعلم من ذلك، وأعد كوبا للتصدي لمثل هذا الهجوم. لم يؤد فشل هذه العملية إلى سقوط بسل فحسب، بل أيضا سقوط رئيسه ألين دالاس، مدير الوكالة.

كانت آمال بسل وكينيدي، ترتكز على الرأي القائل بأن الأجواء في كوبا كانت سانحة لاندلاع ثورة مضادة. أي قوة تستولي على رأس جسر ساحلي - حتى إن كانت قوة وليدة - يمكنها إعلان حكومة مؤقتة تحظى باعتراف أمريكا بها، وهو ما يفتح الباب أمام التقدم إلى هافانا. كان لدى وكالة الاستخبارات المركزية عملاء قليلون في كوبا (معظمهم اعتقل أو قتل رميا بالرصاص)، وعجزت عن إدراك نقطة غاية في الأهمية، ألا وهي أن شعوب تلك البلاد كانت فعليا على أتم الاستعداد للقتال من أجل كاسترو، والتضافر والاحتشاد من أجل مساندته ودعمه.

كان شعب كاسترو يعيش في فقر مدقع، وكان أميا، وتتفشى بين أفراده الأمراض. أخذ كاسترو يبني المدارس والعيادات الصحية، ويصادر أملاك الملاك غير المقيمين في أملاكهم. كذلك، قضى كاسترو على المافيا، التي كانت تدير هافانا كمدينة مفتوحة، تضم بيوت دعارة لا تتجاوز أعمار الفتيات فيها أربعة عشر عاما؛ لذا، عندما حاول لواء 2506 التابع لوكالة الاستخبارات المركزية مهاجمة خليج الخنازير ، لم يكن المدافعون عن الخليج في حاجة إلى سماع قيمة أن يموت المرء وطنيا، أو إلى تلقي خطب حماسية عن حب الوطن؛ كان يكفيهم معرفة أنه في حالة هزيمتهم، ستصبح بناتهم مرة أخرى عاهرات يمارسن البغاء مع السائحين الأمريكيين .

قدمت وكالة الاستخبارات المركزية دعما بالقدر الذي يكفي لزيادة اهتمام أمريكا بالأمر. مع ذلك، رفض كينيدي دعم الغزو بالقوة البحرية والجوية التي ربما كانت ستضمن تحقيق النجاح. منذ ما يزيد عن قرن مضى، كتب الشاعر البريطاني اللورد بايرون قائلا: «ألا تعلمون أن الذي يريد الحرية، عليه أن يحصل عليها بنفسه؟» لكنه ربما لم يكن يفكر في الناقلة البحرية «ريو إسكونديدو». كانت ناقلة القوات القديمة هذه غير مطلية وصدئة، وكان محركها صعب التشغيل وقاعها ممتلئا بالروائح الكريهة. كانت الناقلة تحمل مخزون الحملة الكامل من الذخيرة والجازولين والمؤن، وانفجرت مطلقة لسانا هائلا من اللهب عندما استهدفها طيار كوبي بصاروخ. مع ذلك، لم يكن لأحد أن ينكر أن أمريكا قد زودت جانبا واحدا على الأقل بأسلحة فعالة؛ إذ كانت الطائرة النفاثة التي يقودها الطيار الكوبي من الولايات المتحدة.

لم تكن هذه هزيمة شريفة، مثلما كانت الحال في الفلبين خلال الحرب العالمية الثانية أو في يالو في كوريا؛ كانت إهانة بالغة. كانت رحلة يوري جاجارين قد أوضحت القوة السوفييتية والضعف الأمريكي، لكن ها هي ذي الحقيقة الملموسة. كتب جيمس رستون من صحيفة «نيويورك تايمز» لاحقا يقول إن خروتشوف «كان سيتفهم لو أن كينيدي ترك كاسترو وشأنه أو قضى عليه، لكن بما أن كينيدي كان متهورا بالدرجة التي تجعله يوجه ضربة إلى كوبا لكنه يفتقر إلى الجرأة الكافية لإنهاء المهمة كما يجب، فقد أدرك خروتشوف أنه يتعامل مع قائد شاب غير متمرس يمكن تخويفه وابتزازه.»

7

مضى سباق الفضاء إلى الأمام كجزء من رد فعل واسع للغاية لحرب باردة صارت فجأة أكثر إثارة. لم يجد كينيدي بدا من الالتقاء بقادة الكونجرس، لاستشعار رد الفعل إزاء «أبولو» في كابيتول هيل؛ كان يريد من وزير الدفاع ماكنمارا أن يقدم وجهة نظر البنتاجون، وكان في حاجة إلى أن يعرف المزيد من ليندون جونسون مستشاره لشئون الفضاء. التقى كينيدي ليندون جونسون في 19 أبريل 1961، يوم فشل غزو كوبا، وأرسل إليه مذكرة في اليوم التالي: «هل لدينا أي فرصة لهزيمة السوفييت من خلال وضع مختبر في الفضاء، أو من خلال القيام برحلة حول القمر، أو عن طريق صاروخ يهبط على سطح القمر، أو من خلال صاروخ يصعد إلى القمر وعلى متنه إنسان ثم يعود إلى الأرض؟ هل ثمة أي برنامج فضاء آخر يبشر بتحقيق نتائج كبيرة نتفوق بها عليهم؟»

كان الأساس الفني الذي قامت عليه هذه المبادرات جيدا. كان «ساتورن» على وشك الخضوع لأول عملية إطلاق تجريبية في أكتوبر، بينما كان قد أجري اختبار لغرفة دفع محرك «إف-1» على منصة الإطلاق في أبريل. حقق محرك «إف-1» قوة دفع بلغت 1,64 مليون رطل، وهو ما يساوي تقريبا ضعف قوة الدفع الإجمالية في الصاروخ «آر-7». لكن، عندما رد ليندون جونسون على مذكرة كينيدي، في أواخر ذلك الشهر، شدد بصفة رئيسية على الموضوعات السياسية؛ ذكر بإيجاز «إمكانية تحقيق إنجازات تكنولوجية هائلة من خلال عملية استكشاف الفضاء»، لكنه كان يتعامل مع أهمية الفضاء باعتباره أداة من أدوات الحرب الباردة:

السوفييت متقدمون على الولايات المتحدة في المكانة العالمية التي تحققت من خلال الإنجازات التكنولوجية المبهرة في مجال الفضاء. يجب أن تتحلى هذه البلاد بالواقعية وتدرك أن الأمم الأخرى، بصرف النظر عن تقديرها لقيمنا المثالية، ستميل إلى الانحياز إلى جانب الدولة التي يعتقدون أنها ستكون الدولة الرائدة في العالم؛ الدولة المنتصرة على المدى الطويل. يشار إلى الإنجازات الهائلة في مجال الفضاء على نحو متزايد بوصفها أحد المؤشرات الرئيسية على الريادة العالمية.

Unknown page