وصفوة ما يقال في تفسير هذه العجيبة حقيقتان غير عجيبتين: أولاهما أن المعهود من أخلاق الإنسان ليس هو الإنسان كله، بل في الإنسان شيء كثير مما ليس يعهده الناس منه في عامة أحواله. والحقيقة الثانية أن الخلق المعهود قد يفسر على وجوه كثيرة بعضها موافق للمتبادر إلى الذهن وبعضها لا يوافق المتبادر إلى الذهن إلا بعد إنعام واستقصاء.
فالشدة في أبي بكر موجودة تظهر في مناسباتها.
واللين في عمر موجود يظهر في مناسباته.
وأولى المواقف أن يظهر فيها هذان الخلقان هو الموقف العصيب؛ لأنه موقف المراجعة الذي لا يذهب فيه الإنسان مع الخاطرة الأولى.
فالموقف العصيب هو الموقف الذي يراجع فيه الإنسان نفسه ويثوب إلى المكنون من أخلاقه فيصل منها إلى القرار الذي يخفى على الناس في عامة الأحوال ولا يظهر لهم للوهلة الأولى. فيشتد اللين ويلين الشديد، أو يبدو كل منهما على الحالين بجميع ما فيه من شدة ولين.
ومن ثم يبدو ما لم يكن بمعهود في عامة الأحوال ...
على أن الموقف الذي وقفه عمر في حرب الردة معهود فيه إذا علمنا أن الخلق الإنساني يفسر نفسه على عدة وجوه.
فعمر متصرف بالرأي.
وعمر جريء فيما يرى.
وعمر وثيق الإيمان .
Unknown page