نسوه لأنهم أرادوا أن يعيبوا وأن يتقولوا وأن ينحرفوا عن الحقيقة، وقد كانت رؤية الحقيقة أيسر لهم من الإغضاء عنها، لو أنهم أرادوها وتعمدوا ذكرها ولم يتعمدوا نسيانها.
الوجهة الخلقية
ونستطرد إلى تعدد الزوجات من الوجهة الخلقية أو الأدبية فلا نطيل فيه، لأننا نقصر هذا الكتاب على عبقرية محمد وما له اتصال بجوانب هذه العبقرية في تعدد مناحيها، ولم نرد به أن نتناول حكمة الشريعة الإسلامية في تفصيلها ولا مسوغات الأصول الدينية على اختلافها.
فأوجز ما نقوله في تعدد الزوجات من الوجهة الخلقية أو الأدبية أن النبي عليه السلام لم يجعله حسنة مطلوبة لذاتها أو مباحا يختاره من يختاره وله مندوحة عنه، وإنما جعله ضرورة يعترف بها الرجل وتعترف بها الأمة في بعض الأحوال لأنها خير من ضرورات، ولن ينكر هذا إلا متعنت يصدم الحقائق ويتجاهل المحسوس الماثل للعيان.
ففي حياة محمد الخاصة لا ينكر أحد أن بناءه بنسائه قد كان خيرا من الإخلاء بينهن وبين التأيم والمذلة والرجعة إلى الكفر والضلالة، وكان خيرا من قطع تلك الآصرة التي وصلت بينه وبين البيوت والعشائر، فكان لها ما كان من فضل في نفع الدين والمتدينين به، وهي ضرورة يلجأ إلى الاعتراف بها كل مسئول عن شئون أمة بل أمم تمارس الحياة الدنيا، وكل إمام عليم بطبائع الناس.
أما الضرورة الاجتماعية العامة فقد اعترفت بها الشرائع المدنية الحديثة جميعا ثم تحللت منها بإباحة الزنى وعلاج مشكلة الزواج بحل خارج عن نطاق الزواج أو خارج عن نطاق البيت والأسرة. ولو اهتدت هذه الشرائع المدنية إلى حل خير من هذا لجاز لها أن تنكر تعدد الزوجات، وتنكر أنه ضرورة أكرم من ضرورات.
فلا شك أن الجمع بين المرأة العقيم أو المرأة المريضة وبين غيرها أكرم لها وللمجتمع من نبذها في معترك هذه الدنيا الضروس بغير ولد وبغير زوج وبغير عاصم، ثم هو أكرم للزوج نفسه وهو كائن حي يريد أن يصل ما بينه وبين الحياة بذرية صالحة هي الغرض الأكبر من كل زواج، ولولاها لانتقض في المجتمع الإنساني أساس كل زواج.
ولا شك أن الجمع بين المرأة المزهود فيها وبين زوجة أخرى أكرم لها وأصلح من الجمع بينها وبين خليلة أو عدة خليلات.
ولا شك أن تسهيل الزواج وبخاصة في أوقات الحروب التي ينقص فيها الرجال أكرم للمجتمع الإنساني وأصلح من تسهيل العلاقات الأخرى التي لا تنفع النوع ولا تنفع الأخلاق، ولا ترفع مكانة المرأة في عصمة رجل أو في متناول كثير من الرجال.
هذا شيء جائز.
Unknown page