أما محمد فقد كان جمال فصاحته في نطقه، كجمال فصاحته في كلامه، وخير من وصفه بذلك عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت: «ما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يسرد كسردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه.»
واتفقت الروايات على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها، وقدرته على إيقاعها في أحسن مواقعها ... فهو صاحب كلام سليم في نطق سليم ...
ولكن الرجل قد يكون عربيا قرشيا مسترضعا في بني سعد، ويكون سليما في كلامه سليما في نطقه ... ثم لا يقول شيئا يستحق أن يستمع إليه السامع في موضوعه.
فهذا أيضا قد تنزه عنه الرسول في فصاحته السائغة من شتى نواحيها ... فما من حديث له حفظه لنا الرواة الثقات إلا وهو دليل صادق على أنه قد أوتي حقا «جوامع الكلم»، ورزق من فصاحة الموضوع كفاء ما رزق من فصاحة اللسان وفصاحة الكلام.
الوسامة والثقة
وكانت له مع الفصاحة صباحة ودماثة تحببانه إلى كل من رآه، وتجمعان إليه قلوب من عاشروه، وهي صفة لم يختلف فيها صديق ولا عدو، ولم ينقل عن أحد من أقطاب الدنيا أنه بلغ بهذه الصفة مثل ما بلغه محمد بين الضعفاء والأقوياء على السواء.
وحسبك من حب الضعفاء إياه أن فتى مستعبدا يفقد أباه وأسرته - كزيد بن حارثة - ثم يظهر له أبوه بعد طول الغيبة، فيؤثر البقاء مع محمد على الذهاب مع أبيه ...
وإن خادم خديجة رضي الله عنها - ونعني به ميسرة - يقدمه ليبشر سيدته بالربح والتوفيق في تجارته، وهو أولى أن ينفس عليه، وأن يدعي لنفسه ما اختصه به من الفضل والتقدم.
Unknown page