أم ينكر النبوات ويقول إنه رجل أراد الخير، وهو لا يعلم أنه رسول ولا أن الله مطالبه برسالته إلى خلقه، ولكنه تجرد لهدايتهم في غير مأرب يناله ولا نعمة ينعم بها لأنه لا يطيق لهم شرا، ولا ينتظر في الدنيا ولا الآخرة جزاء؟
من قال هذا وغض من قدر رجل يحب الناس ذلك الحب، ويغار على هدايتهم تلك الغيرة فهو إنسان ممسوخ الضمير. •••
فمحمد الرجل في المقام الأول بين الرجال؛ في المقام الأول بخلقته، وفي المقام الأول بنيته، وفي المقام الأول بعمله، وفي المقام الأول بالقياس إلى المشبهين له في دعوته.
ونرى عن يقين أنه لم يحرم نفسه ذلك الحرمان إلا استزادة لأسباب الإيمان وشحذا للعزيمة في سبيل ذلك الإيمان، وإعذارا إلى الله وإلى الناس فيما تجرد له من إصلاح.
لأن محمدا لم يكن كارها لطيبات الدنيا، ولا حاضا لأحد على كراهتها والإعراض عنها. فإذا قنع بما قنع فإنما فعل ذلك ليرتفع بإيمانه عن ظنه هو لا عن ظنون غيره ...
كأنه يخشى إذا استوفى حظوظ النعيم الميسرة له أن يحسب تلك الحظوظ غرضا من الأغراض التي نظر إليها حين نظر إلى هداية الناس.
فليكن الإيمان إذن هو كل غرض وكل عمل وكل جزاء ... وتلك راحة ضميره ومن وراء راحة ضميره أن يظفر الناس بجهده كله في هدايتهم غير منقوص ولا مظنون.
إذا هدى الناس واستمتع بالعيش خشي أن يحسب المتعة من آماله.
وإذا هدى الناس وكفى كانت الهداية هي جملة الآمال وغاية الآمال. فلينقص حظه من العيش ليكمل حظه وحظ أمته من إيمانه، وليتم بذلك حسابه لنفسه وحسابه عند الله وحسابه بين الناس ...
وما حساب أولئك جميعا؟
Unknown page