هذه صفة عابد يفكر ويعبر ويعمل، وليست بصفة عابد ينقطع للعبادة أو ينقطع للتفكير، أو يعمل كما يعمل بعض النساك الذين هزلت بنيتهم الجسدية فلم يبق لهم إلا عكوف الصومعة أو رحلة الزهادة.
كانت عبادة محمد خلوا بالنفس إلى حين، أو عجبا من بدائع الكون التي ألفها الناس لأنهم لم يوهب لهم في أبصارهم وبصائرهم تلك النظرة الجديدة التي ترى كل شيء كأنه في خلق جديد.
ما أعظم دهشة الناظر أن يرى الشمس قد خلقت اليوم أمام عينيه.
دهشة لا تعدلها دهشة ...
وهي هي دهشة العين التي أبت أن تكل من الألفة لأنها أبدا في نظر جديد، أو في نظر إلى كل منظور كأنه مخلوق جديد .
وهكذا كانت عبادة محمد عليه السلام؛ عجب من بدائع الكون في كل نظرة يراها لأول مرة، وتفكير في الخلق ينتهي إلى الإيمان لأنه يبدأ بالعجب، ولا يزال أبدا بين العجب والإيمان.
وإن محمدا باعث الإيمان إلى القلوب، لقد كان يجدد إيمانه كما يجدد عجبه كل يوم، وكان يدعو الله فيقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ... وقيل له في ذلك فقال: «إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله. فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ.»
حركة متجددة في الحس وفي الفكر وفي الضمير.
فلا انقطاع عن الحس للعبادة كل الانقطاع.
ولا انقطاع عن الحس للتفكير كل الانقطاع.
Unknown page