Cabqariyyat Imam Cali
عبقرية الإمام علي
Genres
وكان إلى قوته البالغة، شجاعا لا ينهض له أحد في ميدان مناجزة، فكان لجرأته على الموت لا يهاب قرنا من الأقران بالغا ما بلغ من الصولة ورهبة الصيت، واجترأ وهو فتى ناشئ على عمرو بن ود فارس الجزيرة العربية، الذي كان يقوم بألف رجل عند أصحابه وعند أعدائه، وكانت وقعة الخندق فخرج عمرو مقنعا في الحديد ينادي جيش المسلمين: من يبارز ... فصاح علي: أنا له يا نبي الله ... قال النبي وبه إشفاق عليه: إنه عمرو، اجلس، ثم عاد عمرو ينادي: ألا رجل يبرز؟ ... وجعل يؤنبهم قائلا: أين جنتكم التي زعمتم أنكم داخلوها إن قتلتم؟ ... أفلا تبرزون إلي رجلا؟ ... فقام علي مرة بعد مرة وهو يقول: أنا له يا رسول الله، ورسول الله يقول له مرة بعد مرة: اجلس، إنه عمرو، وهو يجيبه: وإن كان عمرا ... حتى أذن له فمشى إليه فرحا بهذا الإذن الممنوع كأنه الإذن بالخلاص ... ثم نظر إليه عمرو فاستصغره وأنف أن يناجزه وأقبل يسأله: من أنت؟ ... قال ولم يزد: أنا علي، قال : ابن عبد مناف؟ ... قال: ابن أبي طالب، فأقبل عمرو عليه يقول: يا ابن أخي ... من أعمامك من هو أسن، وإني أكره أن أهريق دمك، فقال له علي: لكني والله لا أكره أن أهريق دمك، فغضب عمرو وأهوى إليه بسيف كان كما قال واصفوه كأنه شعلة نار، واستقبل علي الضربة بدرقته فقدها السيف وأصاب رأسه، ثم ضربه علي على حبل عائقه فسقط ونهض، وسقط ونهض، وثار الغبار، فما انجلى إلا عن عمرو صريعا وعلي يجأر بالتكبير.
وكأنما كانت شجاعته هذه القضاء الحتم الذي لا يؤسى على مصابه؛ لأنه أحجى المصائب، وأقلها معابة ألا يدفع، فكانت أخت عمرو بن ود تقول على سبيل التأسي بعد موته:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله
بكيته أبدا ما دمت في الأبد
لكن قاتله من لا نظير له
وكان يدعى أبوه بيضة البلد
فكانت شجاعته من الشجاعات النادرة التي يشرف بها من يصيب بها ومن يصاب ...
ويزيدها تشريفا أنها ازدانت بأجمل الصفات التي تزين شجاعة الشجعان الأقوياء ... فلا يعرف الناس حلية للشجاعة أجمل من تلك الصفات التي طبع عليها علي بغير كلفة ولا مجاهدة رأي، وهي التورع عن البغي، والمروءة مع الخصم قويا أو ضعيفا على السواء، وسلامة الصدر من الضغن على العدو بعد الفراغ من القتال.
فمن تورعه عن البغي، مع قوته البالغة وشجاعته النادرة، أنه لم يبدأ أحدا قط بقتال وله مندوحة عنه، وكان يقول لابنه الحسن: «لا تدعون إلى مبارزة، فإن دعيت إليها فأجب، فإن الداعي إليها باغ والباغي مصروع» ...
وعلم أن جنود الخوارج يفارقون عسكره ليحاربوه، وقيل له: إنهم خارجون عليك فبادرهم قبل أن يبادروك، فقال: «لا أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسيفعلون ...!»
Unknown page