قالت: يا رسول الله، هل تزني الحرة؟
قال: ولا تقتلن أولادكن.
قالت: قد ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا، فأنت وهم أعلم. فضحك عمر بن الخطاب حتى استغرب،
25
وكان قليل الإغراب في الضحك، فإن استغرب ضاحكا بين حين وحين؛ فإنما يضحكه مثل هذه الفكاهة.
وعلى هذا النحو فكاهته مع خادمه أسلم وابنه عاصم: دخل عليهما، وهما يغنيان غناء يشبه الحداء، فوقف يستمع ويستعيد، وشجعهما إصغاؤه واستعادته، فسألاه: أينا أحسن صنعة؟ قال: مثلكما كمثل حماري العبادي. سئل: أيهما شر؟ فقال هذا ثم هذا.
ومن فكاهته القوية تلك المزحة المرعبة التي أطار بها لب الحطيئة ليكف عن هجاء الناس، فدعا بكرسي وجلس عليه، ودعا بالحطيئة فأجلسه بين يديه، ودعا بأشفى - أي مثقب وشفرة - يوهمه أن سيقطع لسانه، فضج الحطيئة وتشفع الحاضرون فيه، ولم يطلقه حتى أخذ عليه عهدا لا يهجون أحدا بعدها، واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، فما هجا أحدا بعدها وعمر بقيد الحياة.
تلك أمثلة من فكاهته الخشنة التي تعهد في طبيعة الجند، وهي فكاهة لا يطمع منه في غيرها.
وشاءت الجاهلية أن تورطه في بعض أهوائها، فكان هواه منها معاقرة الخمر، يحبها ويكثر منها. وقد نرى أنه هو قريب من مزاج الجند غير نادر فيهم؛ إذ الخمر توافق ما فيهم من سورة طبع، وتشغلهم عن الخطر، أو تعينهم عليه، وتصاحبها في كثير من الأحيان ضجة يألفونها.
وقد أحب ضجة الدفوف، وهي في سياق هذا الهوى، وظل يحبها بعد إسلامه وخلافته، وإن كرهها في غير الأعراس. فسمع ضوضاء في دار فسأل: ما هذا؟ قيل له: عرس! فقال: هلا حركوا غرابيلهم؛ أي الدفوف!
Unknown page