هذا خلاف ما كان في دولة عبد الرحمن الناصر من رواج العلم، فقد كانت قرطبة كعبة العلم ومجتمع العلماء ومقصد باعة الكتب، وكان اقتناء الكتب من ضروريات الحياة عندهم. كانوا يفعلون ذلك اقتداء بخليفتهم وأبنائه.
الفصل الثاني
مكتبة في قرطبة
قال جوهر خادم المكتبة: «مالي أري الناس في شاغل عن النسخ والمطالعة اليوم يا سيدي؟»
فأجابه سعيد صاحب المكتبة: «إن الناس في شاغل عن كل شيء بسبب رسل قيصر الروم، الذين جاءوا بالهدايا من قسطنطين بن ليون صاحب القسطنطينية، إلى مولانا أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر، فخرجوا من قرطبة لمشاهدة الوفد قبل وصوله. كأنك كنت غائبا عن قرطبة؟»
قال جوهر: «لم أكن غائبا، ولكنني لم أبرح هذه الدار منذ أسبوع يا سيدي.»
فانتبه إليه سعيد، وقال: «صدقت، إن الخليفة حين بلغه مجيء رسل ملك الروم أمر أن يستقبلوا أحسن استقبال، وأرسل جماعة من خاصته يستقبلونهم في بجاية، وأن يحسنوا خدمتهم في الطريق، فوصلوا أمس إلى قرب قرطبة، فأمر بإرسال الجند والحاشية والخدم للقائهم، فاشتغل أكثر الناس بانتظارهم في الطرق، ومشاهدة موكبهم، فلم يأتنا أحد منهم.»
فقال جوهر: «ومن هم رسل ملك الروم؟»
فاستغرب سعيد سذاجة خادمه جوهر، وقال له: «إنهم أناس مثلنا. هل تحب أن تراهم؟»
قال جوهر: «نعم.»
Unknown page