Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Genres
خلق الله في الإنسان استعدادا للصلاح واستعدادا للفساد، فأبواه يصلحانه وأبواه يفسدانه؛ أي إن التربية تربو باستعداده جسما ونفسا وعقلا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وقد سبق أن الاستبداد المشئوم يؤثر على الأجسام فيورثها الأسقام، ويسطو على النفوس فيفسد الأخلاق، ويضغط على العقول فيمنع نماءها بالعلم، بناء عليه تكون التربية والاستبداد عاملين متعاكسين في النتائج، فكل ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته، واستعداد الإنسان لا حد لغايته، فقد يبلغ في الكمال إلى ما فوق مرتبة الملائكة؛ لأنه هو المخلوق الذي يحمل الأمانة وقد أبتها كافة العوالم، ويصح أن تكون هذه الأمانة هي تخيير تربية النفس على الخير أو الشر، وقد يتلبس بالرذائل حتى يكون أحط من الشياطين، بل أحط من المستبدين؛ لأن الشياطين لا ينازعون الله في عظمته، والمستبدون ينازعونه فيها، ولكن لحاجة في النفس، والمتناهون في الرذالة قد يقبحون عبثا لا لغرض، حتى قد يتعمدون الإساءة لنفسهم.
الإنسان في نشأته كالغصن الرطب، فهو مستقيم لدن بطبعه، ولكنها أهواء التربية تميل به إلى يمين الخير أو شمال الشر، فإذا شب يبس وبقي على أمياله ما دام حيا؛ بل تبقى روحه إلى أبد الآبدين في جحيم الندم على التفريط أو نعيم السرور بإيفائه حق وظيفة الحياة، ما أشبه الإنسان بعد الموت بالفرح الفخور إذا نام ولذت له الأحلام، وبالمجرم الجاني إذا نام فغشيته قوارص الوجدان بهواجس كلها ملائم وإيلام.
أما في الطبعة الأخيرة فهذه المقالة ترد على الصيغة التالية:
خلق الله في الإنسان استعدادا للصلاح واستعدادا للفساد، فأبواه يصلحانه وأبواه يفسدانه؛ أي إن التربية تربو باستعداده جسما ونفسا وعقلا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وقد سبق أن الاستبداد المشئوم يؤثر على الأجسام فيورثها الأسقام، ويسطو على النفوس فيفسد الأخلاق، ويضغط على العقول فيمنع نماءها بالعلم ... بناء عليه تكون التربية والاستبداد عاملين متعاكسين في النتائج، فكل ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته، وهل يتم بناء وراءه هادم؟! ... الإنسان لا حد لغايته رقيا وانحطاطا، وهذا الإنسان الذي حارت العقول فيه، الذي تحمل أمانة تربية النفس وقد أبتها العوالم، فأتم خالقه استعداده ثم أوكله لخيرته، فهو إن يشأ الكمال يبلغ فيه إلى ما فوق مرتبة الملائكة، إن كان هناك ملائكة غير خواطر الخير، وإن شاء تلبس بالرذائل حتى يكون أحط من الشياطين، إن كان هناك شياطين غير وساوس النفس بالشر، على أن الإنسان أقرب للشر منه للخير، وكفى أن الله ما ذكر الإنسان في القرآن إلا وقرن اسمه بوصف قبيح، كظلوم وغرور وكفار وجبار وجهول وأثيم، ما ذكر الله تعالى الإنسان في القرآن إلا وهجاه فقال:
قتل الإنسان ما أكفره ،
إن الإنسان لكفور ،
إن الإنسان لفي خسر ،
إن الإنسان ليطغى ،
وكان الإنسان عجولا ،
خلق الإنسان من عجل .
Unknown page