ولا يمكن أن يكون ضربا من الحكمة، أن يضع «فيلسوف» يساري كل مسوحه ثم يقف فوق منصة ناظرا من أعلى؛ ليعلن بكل الثقة أنه لم تكن هناك اشتراكية ولا اشتراكيون، وأن الناصريين لم يكونوا سوى فاشيين أهدروا روح الإنسان المصري.
ولا يمكن أن يكون حرصا على اليسار وحفاظا على «أصالته» ومستقبله؛ أن يقف الفيلسوف ليقرر تقريرا قاطعا أن الجناح الآخر للاشتراكيين؛ وهم «الماركسيون» قد خانوا قضية الثورة والاشتراكية وتخلوا عنها وأنهم باعوا أنفسهم رخيصة حينما وضعوا أيديهم في أيدي الناصريين، وأنهم خدعوا أنفسهم قبل أن يخدعوا الناس حول الاشتراكية.
وهو يلقي هذه النتائج القاطعة والقاصمة في تجاهل تام لأوليات العلم بالسياسة وبالواقع القومي ... ولبديهيات المواصفات والفروق بين المذاهب والنظم!
حملة «الوعظ» الجديدة
إن ظاهرة جديدة في مصر، هي انتحال مفكرين ليبراليين على أحسن الأحوال لصفة اليسارية «المفرطة» وتقربهم لليسار الماركسي، وتبصيرهم له بأخطائه وخطاياه، وأولها وأخطرها تحالفه مع الناصريين.
وتمتد الظاهرة إلى دوائر كثيرة يمينية وبيروقراطية، لا يفوق حقدها على الاشتراكية «الناصرية» سوى حقدها على الشيوعية «الماركسية» ولكنها أقامت نفسها فجأة ناقدة وناصحة للماركسيين تنبههم على أنهم ارتكبوا أشد الخطأ بالتحالف مع «العهد الناصري» ذات يوم، ويرتكبون خطأ أكبر بالدفاع عنه اليوم ... وأن موقفهم الصحيح هو أن ينضموا إليهم في الهجوم الذي يشنونه لتصفية كل آثار ذلك العهد من أجل الحرية والديموقراطية.
وقد يكون الدكتور زكريا نقيا كالبللور طاهرا كابتسامة الملاك، ولكنه شاء أم أبى يقف مع هؤلاء ويقدم لهم أثمن خدمة ممكنة.
كيف؟
دروس الآخرين
إن اليمين في مصر قوة مهلهلة معلقة بلا جذور ولا مستقبل وهي تعيش يوما بيوم في قلق متصل، وهو قوة مفلسة فكريا وسياسيا، ليس لديها ما تقدمه أو ما تقنع أو تخدع به أحدا، وقد تجاوزت المشاكل والقضايا كل الحلول إلى اليمين، وتجاوز الوعي العام كل مقومات ودعاوى البورجوازيين والإقطاعيين؛ ولهذا يستورد اليمين المصري في هذه الأيام الوسيلة التي أطال بها اليمين في الغرب حياته لبعض الوقت والتي لا يزال يعيش بها هناك وهي التفرقة بين صفوف اليسار، والعمل على استغراقه واستهلاكه في صراعات داخلية تصرفه وتشغله عن الخصم الحقيقي.
Unknown page