انظر إلى المدن العامرة والمعابد ذات العمدان،
كانت - قبلنا - خرائب تأوي إليها الأوابد والغربان.
إن الصخر لنا يلين ويذعن، وكذا الماء الجبار.
سل عن بأسنا قبائل النوبة وطور سيناء.
سل عن جهادنا زوجات ينتظرن في وحدة وعفاف.
وسمعت المئين يرددونها بقوة وحنان معا، فهفت نفسها إليهم كما يهفو الحمام إلى صفير صاحبه، وأنشد قلبها مع المنشدين.
وبلغت العربة سطح الهضبة بعد أن اجتازت الطريق المسمى وادي الموت، ونزلت منها زايا وسارت صوب الخلق المحشود المنتشر على رقعة الهضبة كأنه جيش عارم في ميدان. ومرت في طريقها بمعبد أوزوريس وتمثال أبي الهول ومصاطب الآباء والأجداد الذين أهلتهم أعمالهم في الدنيا للرقاد في بطن تلك الأرض الطاهرة، وشاهدت النهر الطويل الذي شقه العمال ليصل الهضبة بالنيل. وكانت تجتازه المراكب الضخمة تباعا محملة بالصخور الجبارة حيث ينتظرها عند المراسي جماهير العمال بالعربات الزاحفة. ورأت عن بعد أساس الهرم الذي لا يحيط بحدوده بصر والعمال على سطحه كالنجوم المنتثرة في رقعة السماء ... وكانت تختلط أصوات الأناشيد بصياح الرؤساء وأوامر الحرس وطقطقة الآلات، فوقفت زايا حيرى وطفلها على يديها تتلفت يمنة ويسرة لا تدري أين المستقر، وترى عبث النداء في ذاك المحيط اللجي، وقد تعبت عيناها قلقا وترددا بين الوجوه.
ومر بها أحد الحراس فاستغرب وقفتها، ودنا منها وسألها بصوت أجش: ماذا جئت تفعلين هنا يا سيدة؟
فقالت له بسذاجة: أبحث يا سيدي عن زوجي كاردا.
فسألها الجندي وهو يقطب جبينه متذكرا: كاردا؟ هل هو معمار أم حارس؟
Unknown page