Butulat Urta Sudaniyya Misriyya
بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك
Genres
القائمقام فرج بك عزازي. كان هذا تقلاويا نسبة إلى جبال تقلى الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة الأبيض عاصمة كردفان، وقد خطفه النخاسون صغيرا، وباعوه في مدينة أسوان لرجل هواري من سكان بني سويف. ولقد انتظم في سلك الجندية في عهد المغفور له عباس باشا الأول، ومنح رتبة الملازم الثاني في إبان ولاية المرحوم سعيد باشا خديوي مصر، وقام لحرب المكسيك، وبعد عودته منها منحه سمو إسماعيل باشا رتبة البكباشي، وهناك انتدب للخدمة في السودان، فكان قائدا لإحدى الأورط المصرية النظامية. ولما تمرد دردنجي ألاي في كسلا سنة 1863م، واشتدت وطأته على نفوذ الحكومة، انتدب ألاي من الجنود السودانية بقيادة الميرالاي آدم بك العريفي،
7
فكان فرج عزازي أفندي أحد ضباط هذا الألاي الذي توفق قائده إلى إخضاع المتمردين بلا حرب وعناء،
8
وعندما رقي آدم العريفي إلى رتبة اللواء، ونقل لرياسة الجيش بالخرطوم، سرحت الحكومة جنود دردنجي ألاي، وحل مكانها جنود الألاي الذي جاء به آدم باشا. فبقي فرج عزازي أفندي بفرقته في التاكا (أي كسلا). ولما استتب الأمن وعادت المياه إلى مجاريها، نقل فرج عزازي لنقطة «كوفيت»، وبعد أن أقام بها ردحا من الزمن، ألغيت هذه النقطة ونقل إلى نقطة «سنهيت» الداخلة الآن في مستعمرة إرتريا.
ولعل ذلك كان لبطر الأحباش وتحرشهم على أملاك الحكومة المصرية بعد إبادتهم للأورط المصرية التي كان يقودها أراكيل بك الأرمني، وتغلبهم على حملة راتب باشا، وكانت إذ ذاك توجد حامية أخرى بقيادة البكباشي صالح حجازي أفندي في نقطة «متتيب» في شمال كسلا. ولما قام قائدها بمأمورية لمصر، خلفه الميرالاي محمد سعيد بك، الذي ما لبث بها طويلا حتى رقي إلى رتبة اللواء، ونقل بعد أن سلم قيادة الحامية إلى فرج أفندي عزازي، الذي صادف أيام وجوده في متتيب دخول عصابة من الأحباش في حدود الأملاك المصرية، فاعتبر ذلك عملا عدائيا ضد الحكومة المصرية مبررا حربه لتلك العصابة، فخرج لها في استعداد عظيم، وحاربها حربا عظيمة، حتى بددها، ولم يفلت من رجالها إلا النادر، وكتب بذلك تقريرا إلى الحكمدارية بالخرطوم التي أقرته على عمله، وكافأته بالترقية إلى رتبة القائمقام، ونقلته قومندانا لحامية سنهيت كما كان أولا، فكان ذلك في سنة 1293ه، وبعد حين من الزمن نقل قومندانا لحامية كسلا، ثم عاد إلى سنهيت للمرة الثالثة، وبقي بها إلى سنة 1297ه، وهناك قدمت إلى كسلا أورطة مصرية بقيادة القائمقام خسرو بك عزمي، الذي بقي قومندانا لحاميات كسلا، إلا أنه رقى هذا إلى رتبة الميرالاي وتوجه لمصر، فخلفه فرج بك عزازي إلى سنة 1301ه، وبعد أن سقطت مديرية كردفان في يد المهدي، عين عثمان دقنه أميرا للسودان الشرقي، وزوده بمنشورات شديدة اللهجة في الحض على الثورة، فصادف نداؤه هوى في نفوس القبائل التي اعصوصبت حوله، فبعث جندا منها بقيادة مصطفى هدل
9
لاحتلال مديرية كسلا، فاستدعى فرج بك عزازي إلى كسلا للدفاع عنها. وبعد وصوله إليها خرج في قوة تتألف من الجنود النظامية وبعض أرادي الباشبزق، لطرد العدو من حول المدينة. وكان معه كثير من الضباط، ومدفع جبلي يتولى إطلاقه ضابط برتبة ملازم ثان، وبضعة عساكر طوبجية، فما كادت تلك القوة تجاوز محيط المدينة، حتى تألبت عليها جيوش المهدية في مكان يعرف «بالجمام» في شمال المدينة قريبا منها، ولكن ما استطاعت تلك القوة الثبات أمام عدوها، بل فرت مدحورة إلى ورائها. ومن أغرب ما رواه لي أحد الذين شهدوا تلك الحرب، أن بلوكا من الجنود السودانية أدغم في الهاجمين لم ينج منه أحد قط .
هذا؛ وقطعت البغال الشرايح وفرت من ميدان القتال لدوي السلاح وجلبة الهاجمين، فلذلك ترك الطوبجية المدفع في مكانه وفروا مع الفارين، إلا أن بشير بك كمبال الشايقي أحد سناجق الباشبزق، لما رأى ضابط المدفع ضمن الفارين سأله عن مدفعه، فأجابه بأنه ترك لفرار البغال وتعذر حمله، فما كاد يسمع بشير بك كلامه حتى نادى في أرديه، وكر على العدو وأطلق عليه النار حتى دحره عن مكان المدفع، ثم أمر بعض الجنود بجره وحال بينهم وبين العدو، ولم يزل يدافع عن المدفع حتى عاد به إلى كسلا، وقد أعجب عفت بك - مدير كسلا - إعجابا عظيما لبسالة هذا الضابط واحتقاره للحياة حرصا على واجبه العسكري. ثم تولى فرج بك قيادة الجنود في حرب أنصار المهدية في بلدة «قلوسيت» ودافع دفاع الأبطال، ولكنه أخفق في هذه أيضا بعد خسائر فادحة وفر بجنده. ولما تقلص ظل النفوذ التركي وهيمن المهدي على أغلب جهات السودان، وبلغ اليأس من الضباط مبلغا عظيما حتى فر بعضهم إلى بلاد الحبشة وجنح آخرون إلى السلام، كتب مدير كسلا إلى المهدي كتابا طلب منه مندوبا ليسلم على يده، فبعث إليه العلامة الشيخ الحسين إبراهيم زهراء، وهناك وضعت الحرب أوزارها، وسلمت حامية كسلا مع قائدها فرج بك عزازي، الذي أرسل لأم درمان وضم بها إلى عثمان جانو التعيشي الذي تعين أميرا لدارفور. ونظرا لحذق فرج عزازي ودهائه، اتصل بذلك الأمير حتى صار من أقرب الناس إليه وأمينه، وأخيرا عين قائدا للإمدادية التي كانت عبارة عن قوة احتياطية تكون دائما ملازمة للأمير لإنجاد الجيوش وقت الحاجة. وقد شهد فرج بك عزازي الذي نسب إلى الأمير إذ ذاك؛ أي كان يدعى «فرج عثمان»، الحروب الآتية وهو كأمير من أمراء المهدية: (أ)
واقعة دارا بين جند المهدية وجند الفور الذي كان بقيادة المقدوم رحمه قومو، والذي قتل وتبدد جيشه. (ب)
Unknown page