(قال الفقيه) رحمه الله: كره بعض الناس أن يقول لنفسه أنا مؤمن إلا أن يستثني فيه فيقول أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. قالوا: لأن هذا اللفظ مدح ولا يجوز أن يمدح نفسه كما لا يجوز أن يقول أنا زاهد وأنا عابد وكذلك لا يجوز أن يقول أنا مؤمن. قال: ولأن الله تعالى وصف المؤمنين بعلامات فمن لم توجد فيه تلك العلامات لا يحوز أن يسمى مؤمنا وهو قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} إلى قوله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقا} الآية، ولأن الله تعالى قال: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} فنهاهم أن يسموا أنفسهم مؤمنين وأمرهم أن يسموا أنفسهم مسلمين. وقال غيرهم: لا بأس به لما روي عن عطاء أنه قال: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: نحن المؤمنون المسلمون. وروى زياد بن علاقة عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: إذا سئل أحدكم عن إيمانه فلا يشكن فيه. وقال إبراهيم التيمي ما يكرهن أحدكم أن يقول أنا مؤمن فإن كان صادقا فليؤجرن على صدقه وإن كان كاذبا فما دخل عليه من كفره أشد من كذبه لأن الله تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} وقال في موضع آخر: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} فمن شك أنه مؤمن ينبغي أن لا يلزمه الصيام والصلاة لأن الله تعالى أوجب ذلك على المؤمنين خاصة.
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: لو قال أموت مؤمنا إن شاء الله تعالى لا يجوز لأن الاستثناء يستعمل للمستأنف ولا يستعمل للحال ولا للماضي لأنه لا يصح في الكلام أن يقال هذا ثوب إن شاء الله تعالى وهذه إسطوانة إن شاء الله. وروي عن الحسن البصري أنه قال: إنه من عقل الرجل أن يقول أفعل كذا إن شاء الله ومن حمقه أن يقول قد فعلت كذا إن شاء الله، ولأنه لو استثنى في الطلاق والعتاق فإنه لا يقع الطلاق والعتاق فإذا استثنى في إيمانه يخاف عليه الخلل والقصور في إيمانه، وقد قال القائل:
وما الدهر إلا ليلة ونهارها ... وما الناس إلا مؤمن ومكذب
فإن أنت لم تؤمن ولم تكن كافرا ... فأين إذا يا أحمق الناس تذهب
الباب الحادي والعشرون بعد المائة: في أن الإيمان يزيد أم لا
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف الناس في الإيمان. قال بعضهم: يزيد وينقص وقال بعضهم: لا يزيد ولا ينقص، وقال بعضهم: يزيد ولا ينقص، وبه نأخذ. أما حجة من قال: يزيد وينقص فقوله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} وقال في موضع آخر: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} الآية. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشفع يوم القيامة فيخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان، ثم أشفع فيخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من الإيمان، ثم أشفع فيخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان)) وأما حجة من قال بأن يزيد ولا ينقص فروي عن معاذ بن جبل أنه كان يورث المسلم من الكافر ولا يورث الكافر من المسلم، وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الإسلام يزيد ولا ينقص)). وفي روية أخرى: ((الإيمان يزيد ولا ينقص)) وأما حجة من قال بأنه لا يزيد ولا ينقص فما روى أبو مطيع عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
Page 397