(قال الفقيه) رحمه الله: اعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق فركب فيه أربعة من الطبائع: اليبوسة، والرطوبة، والحرارة، والبرودة، وخلق في النفس أربعة أشياء لصلاح الجسد فلا يقوم الجسد إلا بها: المرة السوداء، والمرة الصفراء، والدم، والبلغم. فجعل مسكن اليبوسة في المرة السوداء، ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء، ومسكن الحرارة في الدم، ومسكن البرودة في البلغم. فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الأربعة كملت صحته فإذا علا واحد منها على غيره دخل السقم من ناحيته، فأيهن قل دخل الضعف من جهته، ثم قد تصير هذه الطبائع فطرة في الأخلاق فمن اليبوسة العزم، ومن الرطوبة اللين، ومن الحرارة الحدة، ومن البرودة الأناء، فإن زاد واحد منها أو قل دخل الفساد من جهته، وقد جعل الله تعالى في موضع الرأس من كل شيء نوعا من المنفعة النظر في العين، والسمع في الأذن، والشم في الأنف، والكلام في اللسان، وكذلك في الجوف جعل لكل شيء معدنا فمعدن الضحك والسرور الطحال، وموضع الخوف والهيبة الرئة، وموضع الغضب الكبد، ومعدن العلم والفهم القلب ومعدن العقل الدماغ، وموضع الحزن والفرح الكلية، ويقال الصدر. وخلق في الجسد ثلثمائة وستين عرقا للشد والوصل وخلق فيها مائتين وأربعين عظما لمصلحة البدن فذلك قوله تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون} وقال علي رضي الله تعالى عنه: العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنفس في الرئة. وقال: ينتهي طول الغلام بإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين سنة، فلا يزيد بعد ذلك في عقله إلا التجاريب. وقال بعض الحكماء: موضع العقل في الدماغ، وموضع الحمق في العينين، وموضع الباطل في الأذنين، وموضع الحياء في الوجه، وطريق الروح في الأنف، وموضع الحياة في الفم، وموضع الهموم في الصدر، وموضع الضحك في الطحال، وموضع الرحمة والغضب في الكبد، وموضع الحزن والسرور في القلب، وموضع الكسب في اليدين، وموضع التعب والنصب في الرجلين والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب السابع عشر بعد المائة: في السباحة والفروسية والرمي
(قال الفقيه) رحمه الله: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: علموا أولادكم السباحة والفروسية والرمي ومروهم بالاختفاء بين الأغراض. وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((علموا أولادكم السباحة والرمي والمرأة المغزل)) وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، وكل شيء يلهو به الرجل باطل إلا ثلاثا: رميه بقوسه، وتأديبه فرسه وملاعبته مع أهله، فإنهن من الحق)) والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب الثامن عشر بعد المائة: في النهي عن اقتناء الكلب
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: روى سالم عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: ((من اقتنى كلبا إلا لماشية أو لصيد نقص من أجره كل يوم قيراطان)) وروى عطية عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من اقتنى كلبا إلا لماشية أو لصيد أو لزرع نقص من أجره كل يوم قيراطان)) قيل يا أبا عبد الرحمن إنما كنا نسمع قيراطا. فقال سمعته أذناي ووعاه قلبي، والذي لا إله إلا هو يقول قيراطان. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من اقتنى كلبا إلا لماشية أو لصيد أو لزرع نقص من أجره كل يوم قيراط)).
Page 395